للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*نقول:

بل الذي صح هو خلاف ذلك، فعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:

«شَفاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي». (١)

*ومن أدلة حدوث الشفاعة لأهل الكبائر:

ما ورد في حديث أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي - أَوْ قَالَ:

بَشَّرَنِي - أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى؟ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ». (٢)

فدلَّ الحديثُ على عدم كفر صاحب الكبيرة الذي مات مصرَّاً عليها، وأنّ مآله إلى الجنة، وإنْ أصابه قبلَ ذلك ما أصابه.

كما جاء ذلك مفصّلاً في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه:

«بَايِعُونِي عَلَى أَلّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا- فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». (٣)

فدلّتْ هذه الرواية على أن مرتكب الكبيرة الذي لم يتُب منها داخلٌ تحتَ المشيئة، وأن وعيد الله -تعالى- في أمثال هؤلاء قابلٌ للخلف.

* قال المازني:

"في حديث عبادة رد على الخوارج الذين يكفّرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبةٍ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أَخبرَ بأنه


(١) أخرجه الترمذي (٢٤٣٥)، وأبو داود (٤٧٣٩)، وأحمد (١٣٢٢٢).
قال ابن كثير: "إسناد صحيح على شرط الشيخين". قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وصححه البيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٧)، وابن حبان (٦٤٦٨)، وابن أبي عاصم، وصححه الحاكم، وصححه الذهبي في رسالته [إثبات الشفاعة]، وصححه الألباني في [المشكاة] (٥٥٩٨ - ٥٥٩٩).
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>