للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن العثيمين:

نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية؛ لأن نفي الأخص يدل على وجود الأعم، ولو كان الأعم منتفياً لوجب نفيه وقيل: لا تراه الأبصار، لأن نفيه يقتضي نفي الأخص ولا عكس، ولأنه لو كان الأعم منتفياً لكان نفي الأخص إيهاماً وتلبيساً ينزه عنه كلام الله عز وجل. (١)

ثم يقال:

ولو تنزلنا مع الخصم وقلنا إن الرؤية هى الإدراك -على مستوى فهمهم- فيقال هنا بحمل الرؤية المنفية في هذه الأية على حال الحياة الدنيا. (٢)

٢) ومن شبهات النفاة:

قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي) قالوا: قوله تعالي: (لن تراني): يفيد نفي الرؤية مطلقاً؛ وذلك لأن " لن " تفيد النفي المؤبد، والنفي خبر، وخبر الله صدق لا يدخله النسخ. (٣)

الجواب:

قد أجاب أهل العلم على ذلك فقالوا: حرف "لن" يفيد النفي المؤبد، مردود شرعاً ولغة

أما شرعاً:

فإن النفي إذا جاء بـ " لن" فلا يفيد النفى المؤبد؛ وإنما يفيد النفي المؤقت، بدليل قوله تعالي في اليهود: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ


(١) شرح الواسطية (ص/٤٥٦)
(٢) يعني لو كان الإدراك بمعنى الرؤية لوجب التخصيص في الأية حتي تتفق مع أحاديث الرؤية. وممن ذهب إلى تفسير الإدراك بالرؤية: عائشة رضى الله عنها، والدارمي والبيهقي ونعيم بن حماد وابن قتيبة.
قال ابن قتيبة وأما قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فليس ناقضاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "ترون ربكم يوم القيامة "؛ لأنه أراد -جل وعز- بقوله: "لا تدركه الأبصار" في الدنيا. ا. هـ
نقول:
وإن كان التوجيه الأقوي والأرجح شرعا ولغة هو التوجيه الأول، والله أعلم.
أما شرعاً: فلأن النبي -صلي الله عليه وسلم - قد نفي الرؤية في الدنيا بقوله " لن تروا ربكم حتى تموتوا"، فمن باب أولي أن يكون في ذلك تفي للإدراك، لأنه رؤية وزيادة. أما لغة: فقد سبق ذكره.
وانظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص/٢٩٨) والرد على الجهمية (ص/١٢٤) وكتاب التوحيد لابن خزيمة بتعليق خليل هراس (ص/١٦٨)
(٣) دراسات فى الفرق الإسلامية (ص/١٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>