للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) {فنفت الأية عن اليهود أن يتمنوا الموت بقوله تعالى (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا)

ومع ذلك فهم يتمنونه في الآخرة، حين يقولون: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف/ ٧٧]، مما دل على أن " لن" ليست للتأبيد.

قلت: وإذا كان النفي مع التأبيد المصرح به كما في قوله تعالي: " وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا"، لم يدل على النفي المؤبد، لأنهم تمنوا الموت بعد ذلك، فكيف يفيده النفي غير المقرون بالتأبيد؟!! فتأمل.

أما لغة:

فإن " لن" لا تفيد النفي المؤبد. قال جمال الدين ابن مالك في " الكافية":

ومن رأي النفي بـ لن مؤبداً... فقوله أردد وسواه فأعضدا

* يؤيده:

لو كانت تفيد النفي المؤبد لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد ورد ذلك في قوله تعالي:

{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ {. (١)

* قال ابن القيم:

وتأمل قوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} كيف نفى فعل الإدراك بـ " لا " الدالة على طول النفي ودوامه، فإنه لا يُدرَك أبداً وإن رآه المؤمنون. وكيف نفى الرؤية بـ " لن" فقال:

{لَنْ تَرَانِي} لأن النفي بها لا يتأبد وقد كذَّبهم الله في قولهم بتأبيد النفي بـ لن بقوله (وقالوا يا مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) فهذا تمنٍّ للموت.

فلو اقتضت " لن " دوام النفي لتناقض الكلام. (٢)

* وعند التحقيق نقول:

أن المستقرئ لاستعمالات حرف "لن" يجد أنها تستعمل على المعنيين:

(التأقيت و التأبيد) ومثال المعنى الأول ما ورد في الأية (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي)

وقد ترد


(١) ذكره أبو العز الحنفي في شرحه للطحاوية (ص/٢١٤)
قلت: فتأويل الأية: لن أبرح الأرض لعلة، فإذا انتفت فعلت، وكذا يقال في الرؤية: لن تراني لعلة وهي ضعفك، فإذا كان أمر الأخرة تحقق الرؤية.
(٢) بدائع الفوائد (ص/٩٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>