للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول الأشاعرة في مسألة الرؤية:

وأما الأشاعرة فأرادوا الخروج من جلباب المعتزلة، ليقولوا بإثبات الرؤية؛ وكذلك أرادوا ألا يقولوا بقول أهل السنة بإثبات علو الله -تعالى- على عرشه، فقالوا:

إن الله -تعالى- يُري، ولكن لا في جهة؛ لأن الجهة -على زعمهم- من لوازم الأجسام.

قال صاحب الجوهرة:

" ومنه أن يُنظر بالأبصار.... لكن بلا كيفٍ ولا انحصار".

وعليه فقد جعل الأشاعرةُ أهلَ السنة مجسِّمة من هذا الباب. (١)

قال الغزالي:

أما الحشوية -وهو يقصد أهل السنة - فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إلا في جهة، فأثبتوا الجهة حتى ألزمتهم بالضرورة الجسمية، وأما المعتزلة فقد نفوا الجهة ولم يتمكنوا من إثبات الرؤية دونها، وخالفوا به قواطع الشرع، وظنوا أن في إثباتها إثبات الجهة.

فهؤلاء تغلغلوا في التنزيه محترزين من التشبيه، فأفرطوا، والحشوية أثبتوا الجهة احترازاً من التعطيل فشبهوا، فوفق الله -سبحانه- أهل السنة للقيام بالحق، فتفطنوا وعرفوا أن الجهة منقية لأنها للجسمية تابعة، وأن الرؤية ثابتة لأنها رديف العلم؛ فانتفاء الجسمية أوجب انتفاء الجهة التي من لوازمها، وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية. (٢)


(١) لذا فقد فسَّر الأشاعرة: " لا تضامّون " بالتشديد بأن معناه: لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة، وهو دون تشديد الميم من الضيم، معناه: لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض، وإنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو يتعالى عن جهة.
الاعتقاد للبيهقي (ص/٥١).
(٢) وانظر الاقتصاد في الاعتقاد (ص/٤٧) وشرح العقائد النسفية (ص/٢٠٦)
قلت: قال اللقاني شارح "جوهرة التوحيد": والمشبهة -يقصد أهل السنة- على تجويز الرؤية في مكان؛ لاعتقادهم بالجسمية، فتعالى الله على قولهم علواً كبيراً!! وقد ورد في أبيات الجوهرة:
" ومنه أن ينظر بالأبصار... لكن بلا كيف ولا انحصار".
وقوله: (بلا انحصار: أي بلا جهة ولا حد) وقد ذكر محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق في كتابه "مباحث في علم التوحيد" هذا القول ونسبه لأهل السنة، وإنما قصد بذلك الأشاعرة، فقال: وأهل السنة يثبتون الرؤية بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة.
وانظر هداية المريد شرح جوهرة التوحيد (ص/٦٨) وتحفة المريد شرح جوهرة التوحيد (ص/٣٢٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>