للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاذة من جهة السند والمتن:

* أما من جهة السند:

فإن اللفظ المحفوظ الذى اتفق عليه الثقات الذين رووا هذا الحديث هو:

«هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فهذا الذى اتفق عليه الشيخان وغيرهما من أصحاب السنن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وإن كان عند البعض تقديم وتأخير.

لكن جاء في رواية سعيد بن منصور عند مسلم قال: " هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، "، بدلاً من: "لا يكتُوون"، فهى زيادة شاذة. (١)

* أما من جهة المتن:

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم - رقى نفسه وغيره، لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالب للدعاء من غيره، بخلاف الشخص الذى يرقي غيره فإنه يدعو له في صورة الرقية الشرعية.

فإن الراقي محسن إلى أخيه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الرقية فقال:

«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» (٢)، وقال: «"اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا


(١) فإن قيل: ألا يقال أن لفظة "لا يَرقون" زيادة ثقة مقبولة؛ لأنها من رواية سعيد بن منصور، وهو ثقة حافظ تُقبل زيادته؟
والجواب:
أما زيادة الثقة فلا شك في قبولها، ولكن هذه اللفظة ليست من هذا الباب؛ لأن الوهم وقع للرواي فخالف الثقات فأبدل لفظة مكان أخري، والوهم قد يقع للثقة كما يقع لغيره، فليس الثقة الذي لا يخطأ قط، إنما الثقة الذى قلَّ خطئه، فوافق الثقات في غالب مروياته.
قال الشافعي: "إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد "ا. هـ
فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أوالأكثر عدداً أنها تكون مردودة.
وفي سؤالات السلمي للدارقطني: عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؛ مثل أن يروي الثوري حديثا، ويخالفه فيه مالك، والطريق إلى كل واحد منهما صحيح؟
فقال: ينظر ما اجتمع عليه ثقتان يحكم بصحته، أو جاء بلفظة زائدة تثبت، تقبل منه تلك الزيادة، ويحكم لأكثرهم حفظا وثبتاً على من دونه.
وانظر سؤالات السلمي للدارقطني (ص/٣٦٠) والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (ص/٦٨٨)
(٢) أخرجه مسلم (٢١٩٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>