للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَكُنْ شِرْكًا(١)، والفرق بين الراقي والمسترقي أن المسترقي سائل مستعطٍ ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي محسن نافع.

وإنما الحديث " «هم الذين لا يسترقون»؛ فهؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب، لكمال توحيدهم،

ولهذا نفى عنهم الاسترقاء، وقال في آخر الحديث: «وعلى ربهم يتوكلون»، فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه، وثقتهم به، ورضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئاً. (٢)

** عودٌ إلى حديث الباب: قوله صلى الله عليه وسلم: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ....

و الاسترقاء: هو طلب الرقية من الغير، وهذه هي أولى الصفات التى اختص بها السابقين الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ووجه المدح فيها أنهم قد تركوا طلب الرقية من الغير لكمال توكلهم على الله عزوجل.

فلا شك أن الطلب والسؤال من الناس فيه افتقار القلب والتفاته إلى غير الله، وهذا نوع من الفقر للمخلوق، فهم لقوة اعتمادهم على الله -عز وجل-و لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله تركوا الاسترقاء.

فليس محرماً أن يطلب أحد من شخص أن يرقيه، ولكن من فعل ذلك فقد فاته الكمال والسبق، وقد فعل خلاف الأفضل والأكمل. وعليه يُحمل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" " مَنِ اكْتَوَى، أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ " " (٣)، و المراد هنا هو نفي كمال التوكل المستحب؛ وما ذلك إلا لفعله ما كان الأولى له التنزه عنه، والذى هو الاحتياج للغير.

وقد يتوجه النفي إلى أصل التوكل، وذلك لمن اكتوى أو


(١) أخرجه مسلم (٢٢٠٠)
(٢) وانظر لذلك اقتضاء الصراط المستقيم (ص/٣٦٧) ومجموع الفتاوى (٢٨/ ١٢٣) ومفتاح دار السعادة
(ص/٥٨٠) وزاد المعاد في هدي خير العباد (١/ ٤٧٦)
(٣) أخرجه أحمد (١٨١٨٠) والترمذي (٢٠٥٥) وقال الترمذي: حسن صحيح. وانظر صحيح الجامع (٦٠٨١)

<<  <  ج: ص:  >  >>