وكان على رأس من ثبتهم الله -عز وجل- في هذه المحنة هو الإمام أحمد بن حنبل الذي صدع بالحق رغم ضرب السياط والحبس.
لذا قال علي بن المديني: إن الله نصر الدين بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة. (١)
*وكذلك: فمن الأئمة الذين ثبتوا على القول الحق في هذا الباب:
أبو مسهر عالم دمشق، ونعيم بن حمَّاد عالم مصر، والبويطي فقيه مصر، وعفَّان بن مسلم الصفار محدث العراق، والفضل بن دكين الذي قال يومها:"عنقي أهون عندي من زرِّي هذا"، وأحمد بن نصر الخزاعي.
وطائفة سواهم، وقد مات الإمام البويطي في حبسه مقيداً في الأغلال؛ لثباته علي الحق، كذلك ثبت الإمام محمد بن نوح حتى مات في السجن، وأماأحمد بن نصر فقد قتله الواثق وصلبه.
لقد أدرك هؤلاء الأئمة - رحمهم الله - أن القول بخلق القرآن يلزم منه وصف الله بالنقص؛ إذ إن الله -تعالى- ليس متكلماً، بل خلق كلاماً كسائر ما خلق من مخلوقاته؛ إذن ففي حقيقة قولهم الباطل هو نفي صفة الكلام عن الله عز وجل، تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
لذا رأى هؤلاء الأئمة - رحمهم الله -أن الثبات في هذه المحنة هو جهاد في سبيل الله عز وجل؛ صيانة للدين وحماية للأمة.
لقد توالى غِيام هذه المحنة في سماء الأمة فى عصر المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق، حتى أذن الله -تبارك وتعالي - لهذه المحنة أن ترفع، وذلك حينما تولى الخليفة المتوكل، وكان إماماً محباً لعقيدة السلف، فأبطل المحنة وأبطل القول بخلق القرآن.
وقد بويع المتوكل بن المعتصم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وعمره ست وعشرون سنة فاظهر الله -عز وجل- به السُنة، وكشف تلك الغمة، وأمر العلماء أن يجلسوا