فهذه دعوى يكذبها الشرع واللغة.
أما الشرع: فلأن الله تعالي وصف القرآن بأنه كلمه؛ والأصل أن الصفة حقيقة في موصوفها، وهذا القرآن مسموع وبحروف مما يدل على بطلان دعواكم أن القرآن معني يقوم بالنفس.
أما اللغة: فإنه لا يقال في اللغة للكلام كلام حتى يخرج باللسان، وإنما يذكر الكلام القائم بالنفس كلاماً مفيداً، فيقال: حديث نفس أو يقول في نفسه.
أما عند الإطلاق: فإن القول والكلام لا يقال إلا لما يسمع ويكون بحروف.
فإن قالوا: قال تعالى (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ)
فجعل ما في النفس قولاً؟
قلنا: هذه عليكم وليست لكم؛ لأن الله لما أراد حديث النفس قال "ويقولون في أنفسهم"، ولما أراد حديث اللسان قال "بما نقول"، فأطلق ولم يقل " بما يقولون
في أنفسهم "، فحديث النفس لا يسمى قولاً ولا كلاماً إلا مقيداً.
*فإن قالوا:
قول الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً. (١)
قالوا: فسمَّى ما في الفؤاد من المعاني كلاماً؟؟
فجوابه: أن هذا البيت مما قد تكلم العلماء في صحته رسماً ونسباً.
أما نسباً:
فقد تكلم العلماء في صحة نسبته إلي ديوان الأخطل، فقد قال أبو محمد الخشَّاب نحويُ العراق: فتَّشت شعر الأخطل فما وجدت هذا البيت.
رسماً:
من حيث تحريف لفظه، حيث إن لفظه الصحيح هو "إن البيان لفي الفؤاد"، قال أبو البيان الدمشقي: أنا رأيته في ديوانه كذلك، فحرَّفه بعض النفاة وقالوا:
(١) وهذا البيت قد نسبه للأخطل: ابن هشام في "شذور الذهب " (ص/٣٥)، وأبو معين النسفي في "تبصرة الأدلة " (١/ ٢٨٣)، وانظر "شرح العقائد النسفية" (ص/ ١٧٩)