للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣) الثالثة:

قوله صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟

وهذا حديث يروى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً قدسياً عن رب العزة، والأحاديث القدسية من أدلة أهل السنة على إثبات صفة الكلام لله عزوجل؛ وذلك لما فيها من نسبة الكلام وإضافته إلى الله -تعالى- إضافة صفة إلى موصوف.

لذا فقد أخرج البخاري -رحمه الله- حديث الباب في صحيحه كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: ١١٥]

قال ابن بطال:

أراد بهذه الترجمة وأحاديثها أن كلام الله -تعالى- صفة قائمة به، وأنه لم يزل متكلماً ولا يزال. (١)

* وقد ورد فى رواية النسائي قوله صلى الله عليه وسلم:

أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ؟ (٢)

وهذه فيها زيادة فائدة في صفة كلام الله تعالى؛ فهي تدل على أن الله -تعالى- يتكلم بمشيئته واختياره، فصفة الكلام لله -تعالى- صفة ذاتية فعلية، ذاتية باعتبار الأصل، وفعلية باعتبار تجدّد آحاد الكلام.

فهذا معنى ما قعَّده العلماء فى كلام الله تعالى بقولهم أنه:

" قديم النوع، حادث الأفراد "، و قولهم " حادث الأفراد ":

ليس معناه أن كلامه مخلوق؛ بل كلامه - تعالى - متعلق بمشيئته، فإذا شاء تكلم، وإذا شاء لم يتكلم سبحانه. (٣)

فالله -عزوجل- إنما قال لموسى (لَنْ تَرَانِي)، في وقت بعينه وذلك (َ لَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)، وليس من الأزل يقول ذلك.


(١) فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٦٦٠)
(٢) السنن الكبرى (١٨٤٧) والطبرانى في الكبير (٥٢١٣) وانظر صحيح الجامع (٢٣٦٢)
(٣) وفارق بين المخلوق والحادث، فالمخلوق هو ما جاء أصله من العدم، كحال الإنسان، قال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ..)، فلأن الإنسان مخلوق، فقبل خلقه لم يكن شيئاً يُذكر، وأما الحادث فهو المتجدد الوقوع مع وجود أصله للمتصف به.
فمن هذا الباب يقال أن كلام الله -عزوجل - حادث وليس بمخلوق، وبيان ذلك يقال:
كلامه -سبحانه- قديم من حيث أنه تعالى لم يزل متصفاً به من الأزل، حادث في آحاده وأفراده، قال تعالى (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>