للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) لما طلب الحواريون المائدة من عيسى -عليه السلام - فقالوا (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

كلام أحمد وغيره من الأئمة صريح في أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه لم يزل يتكلم إذا شاء، ولم يقل أحد من السلف أن الله تكلم بغير مشيئته وقدرته، ولا قال أحد منهم أن نفس الكلام المعين كالقرآن أو ندائه لموسى أوغير ذلك من كلامه المعين أنه قديم أزلي. (١)

* عودٌ إلى حديث الباب: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:

... «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ...

وهذا من أدب الصحابة -رضى الله عنهم- حيث وقفوا عن الخوض فيما لا يعلمون، وهذا مما أدَّبهم القرآن وربَّاهم عليه، كما ورد في الأية قوله تعالى

... (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)

*فإن قيل:

قول الصحابة رضى الله عنهم: " اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ "، أليس قد ورد النهي عن مثل هذه الصيغ التى يُجمع فيها بين الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم؟؟

كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له: مَا شَاءَ اللهُ، وَشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" أَجَعَلْتَنِي وَاللهَ عَدْلًا، بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ ". (٢)

* والرد أن يقال:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنما أراد في باب النهي عن ذلك حسم المادة وسد الذريعة، وغلق باب المغالاة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.

فمثل هذه العبارات قد تُوهم أن مشيئةَ العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، مع كون العبد له مشيئة، ولكنها تابعة لمشيئة الله تعالى، كما قال تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)

وأما ما يتعلق بحديث الباب:

ففي إقراره صلى الله عليه وسلم للصحابة -رضى الله عنهم- على قولهم:

" اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ "، بيانٌ أن ذلك جائز من حيث الأصل لمن يُؤمَن عليه الوقوع في علة النهي.

*وقيل في الجمع وجه آخر:

أن النهي إنما يتوجه في الأمور الكونية، ومنها المشيئة، وأما الأمور الشرعية المتعلقة بالوحي والتشريع فهذه ممَّا علَّمه الله -تعالى- لنبيه - - صلى الله عليه وسلم - فلا


(١) مجموعة الرسائل والمسائل (٣/ ٦٨)
(٢) أخرجه أحمد (١٨٣٩) وصححه الألبانى في الصَّحِيحَة (١٣٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>