للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* فرع:

الله -تعالى- قد قدَّر الأسباب:

أ) وجعل سبحانه وتعالى الالتفات إليها إعتماداً وتوكلاً عليها قدحاً في التوحيد. لأنه ليس هناك شيء يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله تعالى، قال الله تعالى في السحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة/١٠٢).

ب) وجعل سبحانه الإعراض عنها بالكلية من القدح في الشرع.

ج) وجعل سبحانه الأخذ بها علامة من علامات التوحيد الصحيح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع. (١)

* ومن هذا الباب نقول:

إذا تحقق إنتفاء العلاقة بين النوء ونزول المطر من كل وجه بقي أن يُعلم أن الله -تعالى -قد قدَّر لنزول المطرأسباباً، وهي إرسال الرياح.

قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف/٥٧)

فقوله تعالى (فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ...) هذه باء السببية، والضمير بعدها يعود إلى قوله الأول (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ...)

* وتأمل قوله تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: ٢٢]

وهو أن الرياح تُلِّقح السحاب بما ينزل بسببه المطر. (٢)


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٦٩)
فالله -عزوجل- خالق الأسباب والمسببات، والمسبب هو الأثر المترتب على وجود السبب.
ومن حكمة الله - تعالى - أنه ربط الأسباب بمسبباتها، ولكن لا يلزم من وجود الأسباب وجود المسببات، وقد توجد المسبّبات مع غياب الأسباب، فالأمر ليس معادلة رياضية، فقد يتواجد السبب ويتخلَّف الأثر، كما وقع لإبراهيم - عليه السلام- لما أُلقي في النار، وقد يوجد الأثر مع تخلُّف السبب، كما وقع لمريم - عليها السلام - لما حملت بلا مس من البشر.
وقد توسعنا في بسط ذلك في رسالة مستقلة سمَّيناها "إيقاف الطالبين على فوائد حديث السبعين"
(٢) أشار القرآن الكريم إلى وظيفة هامة تقوم بها الرياح، هذه الوظيفة هي عملية التلقيح، يقول تعالى:
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: ٢٢]
فتقوم الرياح بالتلقيح الريحي للنباتات، وكشف العلم عن نوع آخر من التلقيح هو تلقيح السحاب، فالرياح بمشيئة الله تعالى تثير السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة، وإن إرسال الرياح بنوى التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب على التكثف، كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب على مزيد من النمو حتى تصل إلى الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطراً أو ثلجاً أو برداً بإذن الله تعالى.
(ذكره عادل الصعدي نقلاً من موقع: " جامعةالإيمان"

<<  <  ج: ص:  >  >>