للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالعابث بنعمة الله، ومقتضى الحكمة لا تعلَّم الغرائب إلا بعد إحكام الأصول، وإلا دخلت الفتنة. (١)

فالضابط الثالث هذا أهم هذه الضوابط؛ وذلك حسماً لمادة التشبيه التى نفتها أدلة الكتاب والسنة والإجماع والنظر.

* فإن قيل:

قول الإمام مالك:

من وصف شيئاً من ذات الله مثل قوله {وقالت اليهود يد الله مغلولة} فأشار بيده إلى عنقه، ومثل قوله {وهو السميع البصير} فأشار إلى عينه وأذنه أو شيئا من يديه قطع ذلك منه؛ لأنه شبَّه الله بنفسه. (٢)، فهو يمنع الإشارة عند الحديث عن الصفات الإلهية.

*والجواب من وجوه:

١ - الأول:

هذه الرواية عن مالك منقطعة، لذا فثبوتها عن مالك غير متحقق.

٢ - على فرض صحة سندها فإن النصوص الشرعية التي أفادت جواز الإشارة بالضوابط السابقة لا شك أنها مقدَّمة على ما سواها من أقوال.

٣ - أن غير مالك من الأئمة في زمنه وبعد زمنه رووا هذه الأحاديث، فكانوا يشيرون بأيديهم لتقريب المعنى، ومن دلائل ذلك:

أ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ، وَصَدَّقْنَاكَ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ:

«إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا»، وَأَشَارَ الْأَعْمَشُ بِإِصْبَعَيْهِ. (٣)

ب) قال عبد الله بن أحمد:

سمعت أبي رحمه الله، ثنا يحيى بن سعيد، بحديث سفيان عن الأعمش، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ»،


(١) الاعتصام (ص/٢٧٢)
(٢) الفتاوى الكبرى (٦/ ٤١٦) والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٣/ ٣٥١)
(٣) اخرجه ابن ماجه (٣٨٣٤) وصححه الألبانى.

<<  <  ج: ص:  >  >>