للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته. (١)

قال المهلب:

كانت العرب تحلف بآبائها وآلهتها، فأراد الله نسخ ذلك من قلوبهم؛ لينسيهم ذكر كل شيء سواه ويبقي ذكره، لأنه الحق المعبود؛ فلا يكون اليمين إلا به، والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء. (٢)

٢ - الفائدة الثانية: الحلف بغير الله تعالى، حكمه وحكمته:

* نقول أولاً:

قد دل حديث الباب على نهي الشرع عن الحلف بغير الله تعالى، والحكمة من ذلك هى أن الحلف يقتضى تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله - تعالى - لا شريك له فيها؛ فإنها إزاره والكبرياء رداءه فمن نازعه فيهما قصمه، كما صح في الأحاديث الصحيحة حكاية عنه سبحانه وتعالى، فلا يضاهى به غيره. (٣)

كذلك قَال تعالى (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٢٢)

قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما:

الأَنْدَادُ هُوَ الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ، فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ، وَحَيَاتِكَ يَا فُلانَةُ، وَحَيَاتِي. (٤)

فدل ذلك على أنّ هذه الألفاظ التي ذكرها ابن عبّاس -رضى الله عنهما- تجري على ألسنة

كثيرٍ من النّاس وهي من الشّرك، لكنه شرك أصغر، ويسمّى شرك الألفاظ، ولو لم يقصد بقلبه، وهو من اتّخاذ الأنداد، فالحلف بغير الله - تعالى - من اتّخاذ الأنداد لله سبحانه وتعالى،

لأنّ النّد معناه:

النّظير والشّبيه، فالذي يحلف بغير الله -تعالى- يجعل المحلوف به


(١) معالم السنن (٢/ ٥٢٠)
(٢) وانظر فتح الباري (١١/ ٣٣٥) رسالة الشرك ومظاهره (ص/٤٠٩)
المهلب المذكور هو: المهلب بن أحمد بن أبي صفرة، أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي المريي، وهو مصنف (شرح صحيح البخاري). وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء، وقد أكثر الإمام ابن حجر النقل عنه في فتح الباري شرح صحيح البخاري، توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. (سير أعلام النبلاء: ١٧/ ٥٧٩).
(٣) المجموع للنووي (١٩/ ١١٥) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٩/ ٢٥٥)
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره (١/ ٩٩) وابن حبان (١/ ٦٢) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>