للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك كانوا يكثرون الحلف بالأباء في أيمانهم،

كما ورد في حديث ابْنَ عُمَرَ- رضى الله عنهما- قَالَ:

كَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» (١)

* لذا فقد أراد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغلق هذا الباب لحسم المادة وسد الذريعة الموصلة إلى تعظيم الأباء والطواغيت من دون الله - تعالى- فنهاهم عن الحلف بالآباء، كما في حديث الباب، وليس هذا النهى خاصاً عن الحلف بالآباء؛ بل بكل محلوف به سوى الله عزوجل، وإنما خرج الحديث على الغالب فلا مفهوم له.

فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فالقسم لا يكون إلا بمعظَّم، فيعم الحكم كل مقسَم به غير الله تعالى.

كما أن النهى خص الحلف بالأباء لأنه هو سبب ورود الحديث، وذلك لما حلف عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فقال: " وأبي".

*يؤيده:

ما ورد في الروايات الأخرى، فعن عبدالرحمن بن سمرة-رضى الله عنه- قال:

قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي، وَلَا بِآبَائِكُمْ». (٢)

وفي رواية أَبِي هُرَيْرَةَ-رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ ". (٣)

وعن بريدة-رضى الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ " (٤)

قال الخطابي:

هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وبصفاته وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه


(١) أخرجه مسلم (١٦٤٦)
(٢) أخرجه مسلم (١٦٤٨) أحمد (٢٠٦٢٤) والمراد (بالطواغي) هي الأصنام، وقد سُمي باسم المصدر لطغيان الكفار بعبادته؛ لأنه سبب طغيانهم وكفرهم، وكل ما جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى. فالطغيان المجاوزة للحد
ومنه قوله تعالى {لما طغى الماء} أي جاوز الحد. وانظر شرح مسلم للنووى (٦/ ١٢٠) والعين (٤/ ٤٣٥) والتوضيح لابن الملقن (٣٠/ ٢٦٣)
(٣) أخرجه النسائي (٣٧٦٩) وأبو داود (٣٢٤٨)
الأنداد: جمع ند، وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره، ويناده، أي: يخالفه، ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من
دون الله.
(٤) أخرجه أحمد (٢٢٩٨٠) وأبو داود (٣٢٥٣) والحاكم (٧٨١٦) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>