للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الوزير:

فقوله في هذه الآية الكريمة {ولكنْ من شرح بالكفر صدراً} يؤيد أن المتأولين غير كفار؛ لأن صدورهم لم تنشرح بالكفر قطعاً أو ظناً أو تجويزاً أو احتمالًا.

وقد يشهد لهم بذلك كلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو الصادق المصدوق في المشهور عنه حيث سئل عن كفر الخوارج، فقال: " من الكفر فروا "، فكذلك جميع أهل التأويل من أهل الملة وإن وقعوا في أفحش البدع والجهل فقد علم منهم أن حالهم في ذلك هي حال الخوارج. (١)

* يؤيده: قوله صلى الله عليه وسلم:

«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ...».

قال أبو سُليمانَ الخَطّابيُّ:

"فيه دلالة على أن هذه الفِرَق كلَّها غيرُ خارجة من الدين؛ إذ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلَهم كلَّهم من أمّته. وفيه: أن المتأوِّل لا يخرج من الملة، وإنْ أخطأ في تأوُّله" اهـ ـ (٢)

وقد كان الإمام أحمد مع قوله بكفر من قال بخلق القرآن، كان لا يكفِّر الأعيان لكونه يراهم متأولين.

قال أبو العباس ابن تيمية:

ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم؛ وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفِّروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لا يُرى في الآخرة.

وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه كفَّر به قوماً معينين، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل.


(١) إيثار الحق على الخلق (ص/٤٣٧)
(٢) معالم السنن (٣/ ٥١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>