للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفريق بين الرسل في أصل الإيمان بهم، فالواجب على المسلم أن يؤمن بكل الرسل والأنبياء، ولا يكن كحال اليهود والنصارى الذين قال الله تعالى عنهم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) (النساء/١٥١)، وأما التفضيل فهذا مما سوَّغه الشرع في غير ما دليل.

*فإن قيل:

روى ابن عباس-رضى الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

" لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " (١)

*فجوابه:

أن هذا النهى متوجه إلى من قال ذلك على سبيل التنقّص من نبى الله يونس عليه السلام. فالتفضيل بين الأنبياء يكون محرماً إذا تضمن التنقص لبعضهم أو الازدراء ببعضهم، وإلا فالتفضيل والمفاضلة بينهم منصوص عليها في القرآن: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة/٢٥٣].

وإنما خص بالذكر يونس -عليه السلام - لقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ) وهو يونس بن متى، عليه السلام، أي:

ولا تشابهه في الحال، التي أوصلته، وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت، وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه، وذهابه مغاضبًا لربه عزوجل.

*فإن قيل:

قد روى أَنَس بْن مَالِكٍ - رضى الله عنه- أنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ». (٢)

فالرد عليه:

أن هذا قد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - تواضعاً منه، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأفضل الخلق على الإطلاق.


(١) متفق عليه.
(٢) أخرجه مسلم (٢٣٦٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>