للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد صدقكم)).

* وهذه من فوائد حدبث الباب: فقوله صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ صَدَقَكُمْ ":

فيه أن حكم المتأول في استباحة المحظور خلاف حكم المتعمد؛ لاستحالته من غير تأويل، وأن من أتى محظوراً أو ادَّعى فيه ما يحتمل التأويل قُبل وإن كان غالب الظن خلافه.

وقد أطلق عمر-رضى الله عنه-على حاطب اسم النفاق؛ لأنه والى كفار قريش، وإنما فعل حاطب -رضى الله عنه- ذلك متأولًا في غير ضرر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصدق الله بنيته فنجَّاه من ذلك. (١)

قال أبو العباس القرطبي:

لكن حاطبًا لم ينافق في قلبه، ولا ارتد عن دينه، وإنما تأول فيما فعل من ذلك: أن إطلاع قريش على بعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخوِّف قريشًا، ويُحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا طاقة لهم به، يُخوفهم بذلك ليخرجوا عن مكة، ويفروا منها، وحَسَّنَ له هذا التأويلَ تعلقُ خاطره بأهله وولده، إذ هم قطعة من كبده، ولقد أبلغ من قال: قلَّما يفلحُ من كان له عيالٌ، لكن لطف الله به، ونجاه لما علم من صحة إيمانه، وصدقه، وغفر له بسابقة بدر، وسبقه. (٢)

* وكما وقع فعل حاطب متأولاً، كذلك فقد أقدم عمر بن الخطاب على رمى حاطب بالنفاق متأولاً، لذا فقد ترجم البخاري: باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولًا أو جاهلاً، ثم قال تحته: وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة:

إنه منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك، لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر، فقال: قد غفرت لكم "

قال البيهقي:

ومن كفَّر مسلماً على الإطلاق بتأويل لم يخرج بتكفيره إياه بالتأويل عن الملة، وإنما يكفر من كفَّر مسلماً بغير تأويل، وقد روينا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال في حاطب بن أبي بلتعة حين خان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة إلى مكة:


(١) وانظر معالم السنن (٢/ ٢٥٨) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (١٨/ ١٦٥) وكشف المشكل (١/ ١٤١)
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٤٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>