للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ السعدى:

{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، صار ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ، وما هو دون ذلك. (١)

* وعليه نقول:

*وعليه فلابد من التنبيه على مسألة:

أن الاستدلال بحديث حاطب على أن كل موالاة لأعداء الإسلام لا تخرج من الملة فهذا مما يقال فيه إنَّ الدليل أخص من الدعوى.

ومن المعلوم أن قضايا الأعيان لا ترد نقضاً على الكلّيات لاحتمالها.

فقد تقرّر في القرأن أنّ نصرة أهل الكفر على أهل الإسلام كفر ونفاق، وتواردت الآيات والآثار وإجماع العلماء على ذلك حتى صار أصلاً مطرداً في الباب؛ فما وَرَد مُوهِماً خلافَ الأصل مثل قصة حاطب -رضي الله عنه- فلا يرد نقضاً على الأصل؛ لأنّ قضايا الأعيان لا تقدح في الأصول، إما لاحتمالها في ذاتها، أو لإمكان ردّها إلى الأصل المعلوم بتأويل يمنع التخلّف عن الأصل، أو يجزم بعدم دخولها في الأصل لمأخذٍ آخر فلا تكون الواقعة من أفراد الأصل.

لذا فالقول بأن كل موالاة لأعداء الله - تعالى- نفاق أكبر مخرج من الملة فليس هذا على عمومه، فقد دلَّ حديث الباب أن النصرة العملية ذنب، لكنها ليست كفراً وحدها؛ لأن ما وقع من حاطب لم يكن حُبًّا ولا تفضيلاً، ولا فعل ذلك عن تَمَنٍّ لنصرة دين الكفار على الإسلام.

بل إن شيخ الإسلام مع تكفيره للتتار، قال عمَّن يقاتل المسلمين مع التتار:

" وأيضاً لا يقاتل معهم - غير مكره - إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق. . ".

فها هو فصل أصناف المقاتلين معهم، ولم يجعلهم قسماً واحداً، ولم يكفر بمجرد القتال معهم. (٢)


(١) تيسير الكريم الرحمن (ص/٨٥٦)
(٢) انظر مجموع الفتاوى (٢٨/ ٥٥٢) والولاء والبراء بين الغلو والجفاء (ص/١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>