للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْبَبْتَ) هدايته (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أن يهديه من خلقه، بتوفيقه للإيمان به وبرسوله. ولو قيل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته لقرابته منك، كان مذهباً. (١) ويستأنس لذلك بحديث الباب؛ حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على حاطب حرصه وخوفه على ألا يلحق الأذى بقرابته بمكة، وإنما توجه الإنكار على مراسلته للحربيين من قريش الذين نصبوا الحرب والعداء لله - تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم.

٣) الثالث: الإحسان إليهم بالهبة والصلة:

وذلك لعموم قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ١٩٥]، ولعموم حديث " في كل كبد رطبة أجر" (٢).

قال اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨]

والمعنى: لم يمنعكم من الإكرام وحسن الصلة لغير المسلمين طالما أنهم لم يناصبوكم العداء ولم يسعوا في إيذائكم ولم يقاتلوكم بسبب دينكم لا سيما إن كانوا أقرباء وذوي رحم.

قال ابن القيم:

إن الله - سبحانه - لما نهى في أول السورة -سورة الممتحنة-عن اتخاذ المسلمين الكفار أولياء وقطع المودة بينهم وبينهم، تَوَهَّم بعضهم أن برهم والإحسان إليهم من الموالاة والمودة، فبين الله سبحانه أن ذلك ليس من الموالاة المنهي عنها، وأنه لم ينه عن ذلك بل هو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه، وكتبه على كل شيء. (٣)

وقد ترجم البخاري باب: بَابُ الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ (٢٦٢٠)، وفي موضع آخرقال بَابُ صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِكِ (٥٩٧٨)، ثم روى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ


(١) جامع البيان في تأويل القرآن (١٩/ ٥٩٨)
(٢) متفق عليه.
(٣) أحكام أهل الذمة (١/ ٢١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>