مرض الجسِّ برزت إليه هذه القوة، وكان البُحرانُ صالحاً فاندفع المرض، وقام المريض كأن لم يكن به قلبة، ولما رأى الطبيب قوة إيمانه قد استعلت على مرض جسِّه وقهرته، قال لمن أراد فصده: لا يحتاج هذا العارض إلى فصاد:
... «وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»
وعكس هذا ذو الخويصرة التميمي وأضرابه من الخوارج الذين بلغ اجتهادهم في الصلاة والصيام والقراءة إلى حد يحقر أحد الصحابة عمله معه كيف قال فيهم:" «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» " وقال:
" «اقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم» ". وقال:
" «شر قتلى تحت أديم السماء» " فلم ينتفعوا بتلك الأعمال العظيمة مع تلك المواد الفاسدة المهلكة واستحالت فاسدة.
وتأمل في حال إبليس لما كانت المادة المهلكة كامنة في نفسه، لم ينتفع معها بما سلف من طاعاته، ورجع إلى شاكلته وما هو أولى به، وكذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، وأضرابه وأشكاله، فالمعول على السرائر، والمقاصد، والنيات، والهمم، فهي الإكسير الذي يقلب نحاس الأعمال ذهباً، أو يردها خبثاً، وبالله التوفيق. (١)