للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانى: حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رضى الله عنه- قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ.. وورد فيه: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ". (١)

الثالث: ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، ... وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ ". (٢)

وهذه الرواية كالنص في المسألة.

قال العراقي:

" ويظهر لي أن قبول الجزية من اليهود والنصارى لشبهة ما بأيديهم من التوراة والإنجيل، وتعلقهم ـ بزعمهم ـ بشرع قديم؛ فإذا نزل عيسى، زالت تلك الشبهة لحصول معاينته؛ فصاروا كعبدة الأوثان في انقطاع شبهتهم، وانكشاف أمرهم؛ فعوملوا معاملتهم في أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، والحكم يزول بزوال علته ". (٣)

** وما ذكرناه في الوجه الأول يبين لنا كذلك أمرين:

أولهما: أن المراد بوضع الجزية إنما هو نسخها، وليس فرضها.

والثانى: أن العلة من نسخ مشروعية الجزية إنما هو سيادة شريعة الإسلام وسقوط خيار الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو القتل، وهذا مثال لنسخ القرآن -الذى ثبتت به الجزية - بالسنة المتواترة التي دلت على نزول عيسى -عليه السلام- ووضعه للجزية. (٤)


(١) أخرجه مسلم (٢٩٣٧)
(٢) أخرجه أحمد (٩٢٧٠) و أبو داود (٤٣٢٤) وابن حبان (٦٨٢١) صححه الحافظ ابن حجرفي "الفتح (٦/ ٤٩٣) وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (١/ ١٨٨): هذا إسناد جيد قوي.
وأخرجه الحاكم (٢/ ٥٩٥) عن عفان بن مسلم، بهذا الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي.
(٣) طرح التثريب (٧/ ٢٦٦)
(٤) وبهذا يتبين لنا أن العلة من نسخ الجزية إنما هو عدم قبول إلا الإسلام أو القتل، خلافاً لما ذهب إليه الطحاوى من أن العلة من نسخها هو أن المال إذا عاد في الناس آخر الزمان إلى أن صار لا يقبله أحد، صاروا بذلك جميعاً أغنياء وذهب الفقر والمسكنة، وعليه فإن الجزية التى جعلها الله - تعالى-على من جعلها عليه لتصرف فيما يحتاج إليه من قتال ومما سواه مما يجب صرفها فيه، فإذا ذهب ذلك ولم يكن لها أهل= =تصرف إليهم سقط فرضها. فكلامه هذا خلاف ما دل عليه النص والمعنى.
وانظر مشكل الأثار (١/ ١٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>