للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزول المسيح عليه السلام؛ فإن هذه الأحاديث لم تقتصر على ذكر مجرد النزول، بل قد ذكرت تفاصيل ذلك من حياة المسيح -عليه السلام- على الأرض وصلاته مع المسلمين، ثم وفاته وصلاة المسلمين عليه، فكل هذا يبطل القول بهذا التحريف الباطل.

وما أجمل قول القائل:

إذا وصل التقوُّل على النصوص والتحريف للأدلة إلى هذا الحد، فلا نقول إلا:

"نحمدك ربنا على سلامة الدين والعقل "، ونسكت.

٢ - الشبهة الثانية:

قد روى الشيخان عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، " فهو خاتم النبيين، وشريعته ناسخة لشرائع من قبله من الرسل، فكيف ينزل عيسي -عليه السلام - بعده، بل وينسخ الجزية؟ (١)

* وجواب ذلك أن يقال:

أولاً:

نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان يختلف عن وجوده وقت أن بعثه الله -تعالى- إلى بني إسرائيل، فقد كان بين بني إسرائيل رسولاً بشريعة الإنجيل، أما نزوله في آخر الزمان فسيكون فيه تابعاً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بما يُستجد وقتها من أحكام الشريعة الإسلامية، من كسر الصليب ورفض الجزية، ومما يؤيد هذا ما يلي:

*أولاً:

أنه يأبى عند أول نزوله أن يؤم المسلمين في الصلاة، وفي هذا إشارة منه لهذا المعنى الذى ذكرناه.

فقد روى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رضى الله عنهما - قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:

«يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ". (٢)


(١) وهذا الذى حدا بابن حزم أن ينقل الخلاف فى مراتب الإجماع (ص/٣٤٤) فى مسألة نزول المسيح -عليه السلام- ظناً بوجود معارضة بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نبي بعدي "، وبين أحاديث نزول المسيح عليه السلام.
مع أنه نص فى المحلى (١/ ١١) وفىالفصل (١/ ٩٥) على نزول عيسى عليه السلام، فلنا قوله الذى يوافق فيه جماهير أهل السنة، وأما ما نقله من خلاف فمردود؛ إذ لا معارضة بين الأثار فى هذا الباب كما ذكرنا ذلك فى الرد على الشبهة الثانية أعلاه.
(٢) أخرجه مسلم (١٥٦)
*تنبيه:
قد ورد في الأثار أن أميرالمسلمين الذى يصلى خلفه عيسى -عليه السلام -عند نزوله هو محمد بن عبدالله المهدى، فقد روى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ-رضى الله عنه- قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمُ الْمَهْدِيُّ تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: " لا، إِنَّ بَعْضَهُمْ أَمِيرُ بَعْضٍ؛ تَكْرِمَةُا للَّهِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ ". قال ابن القيم: وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وخروج المهدى ثابت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة، وقد روى أحاديث خروجه ما يقرب من ستة وعشرين صحابياً، ورواها أئمة الصحاح والمسانيد.
وانظر تنبيه الغافلين شرح علامات يوم الدين (ص/١٩٩)
*وأما ما يُروى مرفوعاً "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم""، فهو مما تفرد به محمد بن خالد. وقد ذكره ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " (ح/ ١٤٤٧)
=قال محمد بن الحسين الآبري: محمد بن خالد الجندي غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم -يعني في المهدي ا. هـ.
وقال البيهقى:
محمد بن خالد الجندي مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو منقطع، والأحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً ".
قال ابن القيم:
لا يصح حديث " لا مهدي إلا عيسى ابن مريم "، ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة. ا. هـ وقد حكم الذهبي في "الميزان" في ترجمة محمَّد بن خالد على حديث: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" بالنكارة.
وانظر مناقب الشافعى (ص/٩٥) والمنار المنيف (ص/١٤٨) وميزان الاعتدال في نقد الرجال (٣/ ٣٥٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>