للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأرجى ما يلقى به العبد ربه- عز وجل- أن يكون صحيح المعتقَد، فهذا سبيل النجاة.

قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)} [الشعراء: ٨٨ - ٨٩]. قال مُجاهِد والحسَن: {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يعني: من الشرك. وقال أبو عثمان النيسابوري: "هو القلب الخالي من البدعة، المطْمئن إلى السنة". (١)

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- أن رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:

«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟

أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟

فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ.

قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ». (٢)

وفي هذا المعنى قال ابن رجب:

"فإنْ كَملَ توحيدُ العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلِّها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت؛ أوجبَ ذلك مغفرةَ ما سلفَ من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكُلّية. فمن تحقَّق بكلمة التوحيد قلبه؛ أَخرجتْ منه كل ما سِوى اللهِ محبةً وتعظيمًا وإجلالًا ومهابةً وخشيةً ورجاءً وتوكلًا، وحينَئذٍ تَحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مِثل زَبَدِ البحر، ورُبّما قلَبتْها حسناتٍ". (٣)

وقد حرَصتُ في هذا الكتاب على أن يشتمل في كل مبحث من مباحثه على أمور أربعة، بها يكمُل بنيان العقيدة في حياة طالب العلم:

الأول: ذكر عقيدة أهل السنة في المسألة.


(١) وانظر جامع البيان في تأويل القرآن (١٩/ ٣٦٦)، وتفسير القرآن العظيم (٦/ ١٥٠).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٦٣٩)، وقال: "هذا حديث حسَن غريب "، وصححه الألباني في "الصحيحة" (ح: ١٣٥).
(٣) روائع التفسير (١/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>