للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ. فأرسَلَ إلَيها عُمَرُ - رضي الله عنه - فقالَ: أحَبَلتِ؟ فقالَت: نَعَم، مِن مَرغوشٍ بدِرهَمَينِ، فإِذا هِىَ تَستَهِلُّ بذَلِكَ لا تَكتُمُه، قال: وصادَفَ عَليًّا وعُثمانَ وعَبدَ الرَّحمَنِ بنَ عَوفٍ رضي الله عنهم، فقالَ: أشيروا عليَّ. وكانَ عثمانُ - رضي الله عنه - جالِسًا فاضطَجَعَ، فقالَ عليٌّ وعَبدُ الرَّحمَنِ رضى اللَّهُ عنهما: قَد وقَعَ عَلَيها الحَدُّ، فقالَ: أشِرْ عليَّ يا عثمانُ. فقالَ: قَد أشارَ عَلَيكَ أخَواكَ.

قال: أشِرْ عليَّ أنتَ، قال: أُراها تَستَهِلُّ به كأنَّها لا تَعلَمُه، ولَيسَ الحَدُّ إلا على مَن عَلِمَه، فقالَ: صَدَقتَ، والَّذِى نَفسِى بيَدِه ما الحَدُّ إلا على مَن عَلِمَه. فجَلَدَها عُمَرُ - رضي الله عنه - مِائَةً، وغَرَّبَها عامًا. (١)

قال شيخ الإسلام ابن تَيميةَ:

"لهذا كنتُ أقولُ للجَهْميّة من الحُلوليّة والنُّفاةِ الذينَ نَفَوْا أن الله تعالى فوقَ العرش -لمّا وقعتْ مِحنتُهم-: أنا لو وافقتُكم كنتُ كافراً؛ لأني أعلمُ أن قولكم كفرٌ، وأنتم عِندِي لا تَكفُرونَ؛ لأنكم جُهّالٌ". (٢)

وقال رحمه الله:

"فإنّا -بعدَ معرفةِ ما جاء به الرسولُ- نَعلمُ بالضَّرورة أنه لم يشرع لأمّته أن تدعوَ أحَداً من الأموات، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمّته السجود لميتٍ ولا لغير ميتٍ، ونحو ذلك؛ بل نَعلمُ أن ذلك من الشرك الذي حرّمه الله -تعالى- ورسولُه؛ لكنْ لِغَلَبةِ الجهل وقِلّة العلم بآثار الرسالة في كثيرٍ من المتأخرينَ لم يُمْكِنْ تكفيرُهم بذلك، حتى يَتبيَّنَ لهم ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم" (٣).

قال ابن القَيِّم:

"وأما كُفرُ الجهل مع عدم قيام الحُجّة وعدمِ التمكُّن من


(١) السنن الكبرى للبيهقى (١٧٠٦٥) باب ما جاء في درء الحدود بالشبهات. وانظر ضوابط التكفير (ص/٢٤٠)
(٢) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٢٦). وليس المقصود بالحلولية هنا من يقول بعقيدة الحلول والاتحاد، وإنما المراد بهم الجهمية الذين ينفون علو الله -تعالى- على عرشه.
(٣) الرد على البكري (٢/ ٧٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>