للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشأن الربوبية، ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيءٍ من ذلك، أو لم يخبر به، فإن ما أخبر به إذا لم يعلمه بعقله لا يصدق به، بل يُؤَوِّله أو يفوضه، وما لم يخبر به إن علمه بعقله آمن به، وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره، وبين عدم الرسول وعدم إخباره، وكان ما يذكره من القرآن والحديث والإجماع في هذا الباب عديم الأثر عنده، وهذا قد صرح به أئمة هذا الطريق». (١)

٣) من التناقض البّيِن فيما انتحله الأشاعرة في هذا الباب:

أنهم مع نفيهم لعلو الله عزوجل، تراهم يقرون أن الفطرة دالة على علوه، لذا فقد حمل هذا التناقض البيَّن جملة من كبار الأشاعرة على الرجوع عن هذا اللحن الجلى لنصوص الشريعة، وإن لم يكونوا قد رجعوا إلى الحق، ولكن يكفى تركهم للباطل. فقد ذكر محمّد بن طاهر المقدسي أن أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلّم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان.

فقال الشيخ أبو جعفر:

أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرووة التي نجدها في قلوبنا؟ فإنه ما قال عارف قط:

يا الله، إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلوّ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف ندفع بهذه الضرورة عن أنفسنا، قال: فلطم أبو المعالي رأسه ونزل. وقال:

حيّرني الهمداني حيّرني. (٢)

* قلت:

وهذه ثمرة من اتبع قضية عقلية - زعموا- مخالفة للنقل والفطرة، بل وللعقل السليم، فلما كان طرحهم من عند غير الله -تعالى- وجدنا فيه اختلافاً كثيراً، وانظر ماذا فعل بهم هذا الترنح لما نفوا علو الله -تعالى - ثم زعموا إثبات رؤيته في


(١) شرح الأصفهانية (ص ١٠ - ١١).
(٢) وانظر البيهقي وموقفه من الإلهيات (ص/٣٥٤) ومقالات في تناقض الأشعرية (ص/١٠٩)
قال الألبانى: هذه قصة مسلسلة بالحفاظ. وممن أعلّ هذه القصة تاج الدين السبكى كما في طبقات الشافعية (٥/ ١٩١) فأتى بكلام لا وزن له عند أهل التحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>