للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى -، لا بمعنى أن السَّماء تحويه وتحيط به، وهذا ضلال وكذب وافتراء، فالله - سبحانه وتعالى - لا يحيط به أي شيء.

وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شبهة من يقول بأن السَّماء تحويه، وبيّن زيفها، فقال:

من توهم أن كون الله في السَّماء بمعنى أن السَّماء تحيط به وتحويه فهو كاذب ضال، وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللّفظ، ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قول الله ورسوله: (إن الله في السَّماء) أن السَّماء تحويه؟ لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعلّه لم يخطر ببالنا.

وقد علم المسلمون أن كرسيه - سبحانه وتعالى - وسع السموات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقاً يحصره ويحويه؟!

وقد قال سبحانه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١) وقال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بمعنى (على)، ونحو ذلك، وهو كلام عربي حقيقة لا مجازاً، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا مشتركة. (١)

*قلت:

ويؤيد هذا ما ورد في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضى الله عنهما- عَن النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " (٢) فكما وجب تأويل قوله " مَنْ فِي الأَرْضِ "أى: من على الأرض، فكذا يقال

- ولابد - في قول النَّبِيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" مَنْ فِي السَّمَاءِ ": أى من على السماء. .

* ومن التحريف المعنوى كذلك:

أن ما تكلم به الرّسول -صلى الله عليه وسلم - في حديث الجارية إنما قاله على سبيل التّمثيل والتّقريب لعقول النّاس! فلمّا رسخت أقدامهم في الدّين؛ عرفوا الحقّ بأنفسهم!!!


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٠٦)
(٢) أخرجه الترمذى (١٩٢٤) وأبوداود (٤٩٤١) قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>