للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومه؛ فهُنا شَرطانِ في تحقُّق قيام الحجة: بُلوغها مع فَهمها بلسان قومه (وهو الفَهْمُ اللُّغَوِيّ): قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥]

وقال تعالى: {... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]، وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩]

وإذا كان كذلك فإنّ فَهْمَ اللسان هذا لا بُدَّ منه، أي:

إذا أتاك رجلٌ أَعجميٌّ فكلّمتَه بالحُجة الرِّساليّة باللغة العربية؛ فمِثلُ هذا لم تقُم عليه الحجة، وذلك لأنه لم يَفْهَمْ منها كَلِمةً، فلا تكون الحُجة قد قامت عليه حتّى يَبُلَغَه بما يَفهمُه بلسان قومه؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...} [إبراهيم: ٤]

*وأما فَهْمُ الحجة: فليس من شرط قيام الحجة أن يَفهمَ الحُجة فَهْمَ مَن أراد الله -تعالى- هِدايتَه وفَهْمَ التفقُّه المؤدي إلى الإذعان والانقياد - كفَهم أبي بكرٍ وعُمرَ والصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه لو قيل: إن قيام الحجة لا يتم إلا بفَهمها على هذا المعنى لَصار لا يكفر إلا مَن عانَدَ!

واللهُ -عزَّ وجلّ- قد بيّنَ في القرآن أن الكافرينَ قد قامت عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله تعالى:

{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا...} [الأنعام: ٢٥]

فنَصَّ الله -تعالى- أنهم يستمعون سَماعَ مَن يَفهمُ المعنى ويَعقِلُه، لكنّهم لم يَفهموا الأدلة الشرعية فَهْمَ مَن أراد الله -جلّ وعلا- هدايتَه. (١)

ولعلَّهم صُدُّوا عن السبيلِ، ومُنِعُوا الفَهْمَ؛ إمّا لِكِبْرِهم عن قَبول الحق، أو


(١) مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (٧/ ٢٢٠)، والنبذة الشريفة لحمد بن ناصر التميمي (ص/١١٧)، والجهل بمسائل الاعتقاد (ص/١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>