للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتقليدهم الآباءَ والأَسْلافَ، أو لغير ذلكَ، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

ففارِقٌ بين الفَهم والعلم؛ قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩].

قال ابن القيم:

قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم، وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه إلى قلوبهم، فلم يسمعهم سماع إفهام ينتفعون به، وإن سمعوه سماعاً تقوم به عليهم حجته، فسماع الفهم الذي سمعه به المؤمنون لم يحصل لهم. (١)

قال الشيخ السِعدي: والسمع الذي نفاه الله -تعالى- عنهم، سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة، فقد قامت حجة الله -تعالى- عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته. (٢)

قال عبد اللَّطيف بنُ حَسَن آل الشيخ في سياق كلامه عن قيام الحُجة: "وإنما يُشترط فَهْمُ المُراد للمتكلِّم والمَقصود من الخطاب، لا أنّه حقٌّ؛ فَذاكَ طَوْرٌ ثانٍ. هذا هو المُستفادُ مِن نَصِّ الكتاب والسنة". (٣)

وقال -رحمه الله-: "وينبغي أن يُعْلَمَ الفَرْقُ بين قيام الحجة وفَهْمِ الحجة؛ فإنّ مَن بلغتْه دعوةُ الرسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجهٍ يُمكنُ معه العلمُ، ولا يُشترطُ في قيام الحجة أن يَفهم عن الله ورسوله ما يفهمُه أهلُ الإيمان والقَبول والانقياد لِما جاء به الرسولُ؛ فافْهَمْ هذا يُكْشَفْ عنكَ شُبُهاتٌ كثيرةٌ في مسألة قيام الحجة.

قال الله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، وقال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ


(١) شفاء العليل (ص/٩٧)
(٢) تيسير الكريم الرحمن (٣/ ١٥٥)
(٣) وانظر: مِصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام (١/ ٢٠٦)، والجهل بمسائل الاعتقاد (ص/١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>