للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» (١)

فأخبر أن الصحابة -رضى الله عنهم- قد توسلوا بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم، وكذلك قد توسل عمر بن الخطاب بِجاه العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضى الله عنهما. * والجواب:

أولاً:

أن المجمل في رواية البخاري من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:

... «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، ....» قد بينته الأحاديث الأخرى،

كما في حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه- أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:

«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» (٢)

فيتضح بذلك أن الإجمال في قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:

" إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا " قد جاء مبيناً في حديث أنس رضى الله عنه، فدل ذلك على أن توسل الصحابة -رضى الله عنهم- إنما كان بدعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس بذاته أو جاهه كما يدَّعى من جوَّز ذلك.

* ثم يقال:

لو كان توسل الرجل الضرير بذات النبي - صلى الله عليه وسلم- لما انقطع ذلك بموته؛ ولما غفل الصحابة - رضى الله عنهم- عن مثل هذا الأمر، وقد مر بهم من الفتن ما يضاهي قطع الليل المظلم، من قحط واقتتال ودماء، بل قد عدل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- عام الرمادة عن ذلك إلى التوسل بدعاء العباس رضى الله عنه، مع أن الأمر المجمع عليه هو علو وسبق جاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على دعاء العباس رضى الله عنه.

وقد وافقه جمهور الصحابة - رضى الله عنهم - على ذلك فكان ذلك منهم كالإجماع على عدم الجواز؛ وهذا من أظهر الإجماعات الإقرارية.

فإن تركهم له مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع لهو أقوى الأدلة على المنع.

فدل هذا على أن التوسل المشروع


(١) أخرجه البخاري (١٠١٠)
(٢) أخرجه البخاري (١٠١٣) باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>