للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم هو التوسل بدعائه، وبشفاعته، لا السؤال بذاته، ولا بجاهه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فعدول عمر والصحابة عن هذا إلى هذا وما يشرع من الدعاء وينفع عمَّا لا يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير الخير وإنزال الغيث بكل طريق ممكن، دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه. (١)

قال الألوسي:

لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس، وهم يجدون أدنى مساغ لذلك. (٢)

* وتأمل لترى جماهير الصحابة -رضى الله عنهم - يوافقون عمر بن الخطاب على اجتهاده حين عدل عن التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بدعاء العباس رضى الله عنه، دون أن يخرج منهم ولو واحد ليراجع عمر في ذلك، فهل تراهم سكتوا عن اظهار الحق خشية من عمر؟

فهل هذا ظنك فيهم؟ وقد نزل فيهم قول الله تعالى (لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ) (٣) * وانظر إلى حال الصحابة -رضى الله عنهم- يوم أن تقدم أبُو بَكْرٍ -رضى الله عنه -فصلى بالناس، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ. (٤)

الشاهد أن الصحابة - رضى الله عنهم - ما استساغوا تقديم أحد - ولو كان صديق الأمة - على


(١) الاستغاثة في الرد على البكري (ص/١٠٨)
(٢) روح المعاني (٣/ ٢٩٦)
(٣) قال الحسن البصرى عن قول تعالى {فَسوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}: هُوَ وَاللَّهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ]. تفسير القرآن العظيم (٣/ ١٣٥)
(٤) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>