للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَؤول بأصحابها إلى الشرك الأكبر.

وقد نص الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد أن ساق الحديث في كتاب التوحيد، باب "مَن تبرَّكَ بشجر أو حجر ونحوِهما": "فيه مَسائلُ:

أن الشرك فيه أكبرُ وأصغرُ؛ لأنهم لم يرتدُّوا بهذا" اهـ.

قلتُ: فهذا نصٌّ من الشيخ أن القوم طلبوا الشرك الأصغر. (١)

*فإن قيل:

فإنْ كان سؤالهم من الشرك الأصغر، فلِمَ قال صلى الله عليه وسلم: «قلتم كما قالت بنو إسرائيل: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}»؟

فالجواب عن ذلك:

أن ذلك مِن قَبِيلِ الاستدلال بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر، كما قال حُذَيْفةُ -رضى الله عنه- لمّا رأى رجلاً في عَضُدِه خَيْطٌ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]،

أو يقال:

إن ذلك مِن باب ما يَؤول إليه الأمرُ، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم -للرجل الذي قال له: "ما شاء اللهُ وشِئْتَ"، فقال صلى الله عليه وسلم: «أجعلتَني للهِ نِدّاً؟»

وهذا من باب ما يَؤول إليه الأمرُ. (٢)

قال الشّاطِبِيّ:

"قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمّتي بما أخذ القرونُ مِن قَبلِها» يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به في الأعيان أو الأشباه. والذي يدل على الثاني (أي: الأشباه): قولُه لمن قال: "اجعل لنا ذات أنواط":

«هذا كما قالت بنو إسرائيل: {اجعل لنا إلهاً}»؛ فإنَّ اتخاذ ذات أنواط يُشْبه اتخاذ الآلهة من دون الله، لا أنه هو بعينه؛ فلذلك لا يَلزم في الاعتبار بالمنصوص عليه أن يكون ما لم يُنَصَّ عليه مِثْلَه من كل وجهٍ، والله أعلم". (٣)


(١) وانظر: كتاب العُذْر بالجهل تحتَ المِجْهر الشرعيّ لأبي يوسف آل فراج (ص/٢٤٤).
(٢) فالكلام قد يطلق: باعتبار ما كان عليه، كقوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الشعراء: ٤٦]، وباعتبار ما سيؤول إليه، كما في حديث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ...»
(٣) بتصرُّفٍ يسيرٍ من [الاعْتِصَام] (٣/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>