للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها هذا مِن قِبَلِ أنفُسهم، ولكن أرادوا أن يكون ذلك من الله عن طريق نبيّه صلى الله عليه وسلم.

٢ - الأمر الثاني:

أن المحذور الذي وقعوا فيه هو مُشابَهتُهم للمشركين، كما فى قول النبيُّ صلى الله عليه وسلم -:

«قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل: {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة}»

فالكاف في لغة العرب تفيد التشبيه لا المُماثَلة، ومن المعلوم أن المشبَّه يُشْبِهُ المشبَّه بِهِ في بعض الأَوْجُه دُونَ بَقيتها.

قال ابن القيم:

ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله: "مدمن الخمر كعابد وثن ". (١)

قال الشاطبي:

قوله عليه السلام: هذا كما قالت بنو إسرائيل: اجعل لنا إلها». . . " الحديث.

فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله، لا أنه هو بنفسه، فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه، والله أعلم. (٢)

*ونظير ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر» (٣)

ومن المعلوم أن التشبيه هنا في وصف الرؤية، وليس وَصْفِ المَرْئِيّ بِحالٍ.

*لذا نقول:

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يقطع مادّة المشابَهة من أصلها؛ فإنّ بَني إسرائيل طلبوا مشابهة المشركين ولكن في الشرك الأكبر، وأما من طلب ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فمع كون طلبهم من الشرك الأصغر لكنه قد يَؤول إلى الشرك الأكبر مع طُول الزمان؛ لأن الشرك الأصغر بَرِيدُ الشرك الأكبر.

وأوّلُ شركٍ وقعَ على وجه الأرض كان بدايته تصوير الأصنام على صُوَرِ الصالحينَ، ثم لما تنسَّخ العلم عُبِدَتْ؛ فكان تصوير الأصنام ذَرِيعةً إلى الشرك الأكبر.

* وكذلك فقد حُرِّم في شريعتنا بناء المساجد على القبور أيضاً لهذا المعنى، لأنها


(١) عدة الصابرين (ص/١١١)
(٢) الاعتصام (٢/ ٧٥٢)
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>