للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قلت:

وقد ورد في حديث البخاري «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» (١)، وفى رواية له

عند النسائي «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ». (٢)

وفيها زيادة فائدة وهى أن ضعفهم ليس ضغفاً في الإيمان، بدلالة وقوع النصر للأمة قد حصل بدعواتهم وصلاتهم؛ لصفاء ضمائرهم وقلة تعلقهم بزخرف الدنيا فيغلب عليهم الإخلاص في العبادة ويستجاب دعاؤهم.

* وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " وفي كلٍ خيرٌ":

فمعناه في كُلٍّ مِنَ الْقَوِيِّ والضعيف خير؛ لاشتراكهما في أصل الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. (٣)

قال ابن العثيمين:

قال عليه الصلاة والسلام: (وفي كل خير) لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك.

وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز، وهو أن يتكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين، ومثال ذلك في القرآن قوله تبارك وتعالى:

(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد: ١٠)

ومن ذلك قوله تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) (الأنبياء: ٧٩)

لما كان هذا يوهم أن داود -تعالى-عنده نقص، قال تعالى (وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً). (٤)

* وأما قوله صلى الله عليه وسلم:

" احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ ":

وهذه من


(١) أخرجه البخاري (٢٨٩٦)
(٢) أخرجه النسائي (٣١٧٨)
(٣) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (٨/ ٤٦٧)
(٤) شرح الصالحين (٢/ ٨٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>