للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢) قولهم بأن " الظلم الذى نفاه الله - تعالى - عن نفسه ممتنع لذاته " كلام باطل من وجوه:

أ) الأول:

تفسير نفي الظلم عن الله -تعالى- بالامتناع عليه ليس فيه مدح ولا كمال، وإنما المدح والكمال أن يقال إن الله - سبحانه- منزَّه عن الظلم، وأنه لا يفعله لكمال عدله، والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه، لا بترك الممتنع، فعلم أن من الممكنات ما هو ظلم تنزَّه الله - تعالى- عنه مع قدرته عليه، وبذلك استحق الحمد؛ لأن الحمد إنما يقع بالأمور الاختيارية من فعل أو ترك. (١)

ب) الثانى:

قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢)} (طه/١١٢)

ووجه الدلالة:

أن نفي الظلم لو كان على وجه الامتناع لم يكن ثمة فائدة من نفي الخوف من تحققه، فالذي يُخاف إنما هو الممكن.

* يؤيده:

ما ورد عن أَبِي ذَرٍّ- رضى الله عنه- أنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ:

"يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، ... " (٢) ووجه الدلالة:

أن الممتنع لذاته لا يُحتاج إلى تحريم؛ لأنه ممتنع لذاته، وبيان ذلك أنه ليس لشخص أن يقول -مثلاً - حرَّمت على نفسي أن أطير في الهواء؛ ولا يقال:

" إن فلاناً الأعمى يغض بصره عن النساء!! "؛ لأن هذا ممتنع لذاته، وليس رغبة عنه، فالذي يحرم لا يتوجه إلا لما كان ممكناً. (٣)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الأمر الذى لا يمكن القدرة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته، وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادراً عليها، فعلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله، والذى حرَّمه على


(١) مباحث الربوبية والقدر (ص/٢٢٤)
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) وأحمد (٢١٤٥٨)
(٣) شرح السفارينية للشيخ حمد الحمد (ص/٧١)

<<  <  ج: ص:  >  >>