للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه لم يتصرف إلا في ملكه فهذا كلام من البطلان البيِّن؛ فهذه غفلة عظيمة عن الإيمان باسم الله الحكيم، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟!!.

* إشكال:

قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:

(لو أنّ الله عذَّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضه عذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم). (١) الجواب:

أن معنى الحديث أن الله -تعالى- لو وضع عدله على أهل سماواته فحاسبهم بنعمه عليهم وأعمالهم لصاروا مدينين له، فلو حاسبهم على نعمة واحدة - كنعمة البصر مثلاً- لاستوفت ولرجحت على جميع ثواب أعمالهم وطاعاتهم التى بذلوها، وحينئذ يكون المرء مديناً لربه - تعالى- بسائر نعمه التى ما أدى حقها، وحينئذ

فلو عذَّبهم الله لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ وما ذلك إلا لتقصيرهم في شكر نعمه عليهم. (٢)

قال ابن رجب:

لا نجاة للعبد بدون المغفرة والعفو والرحمة والتجاوز، وأنه متى أقيم العدل المحض عَلَى عبد هَلك.

ومما يبين ذلك أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: ٨]، فهذا يدلُّ عَلَى أن الناسُ يسألون عن النعيم في الدُّنْيَا، وهل قاموا بشكره أم لا؟

فمن طولب بالشكر عَلَى كل نعمة من عافية وستر وصحةِ جسم وسلامة حواسٍّ وطيب عيش واستُقصي ذلك عليه، لم تَفِ أعمالُهُ كلُّها بشكر بعض هذه النعم، وتبقى سائر النعم غير مقابلة بشكر فيستحق صاحبها العذاب بذلك. (٣)


(١) أخرجه أبوداود (٤٦٩٩)، وانظر صَحِيح الْجَامِع (٥٢٤٤)
(٢) تنبيه:
ما روي من حديث الرجل الذى عبد الله خمسمائة سنة، وأن الله سيقول: " أدخلوا عبدي الجنة برحمتي "، فيقول الله: "قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله "، فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه، فيقول أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي رب برحمتك أدخلني الجنة..... "
فهو حديث ضعيف، أخرجه الحاكم في المستدرك (٥٤٢٥٠) والعقيلي في " الضعفاء" (١٦٥)
، وفى سنده سليمان بن هرم، قال الحافظ الذهبي: سليمان غير معتمد. قال العقيلي: " مجهول، وحديثه غير محفوظ "، قال الأزدي: لا يصح حديثه. وانظر المغني في الضعفاء (١/ ٢٨٤) ولسان الميزان (٤/ ١٨٠)، ... وقد وذكر الألبانى هذا حديث في ضعيف الترغيب والترهيب (ح/ ٢٠٩٩).
(٣) المحجة في سير الدلجة، وهى رسالة من مجموعة "رسائل ابن رجب (٤/ ٤٠١) "

<<  <  ج: ص:  >  >>