للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)) (الإسراء/١٥)،

وقال تعالى (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١)) (الأنعام/١٣١)

أي: إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب، لئلا يعاقب أحد بظلمه، وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذبنا أحداً إلا بعد إرسال الرسل إليهم. (١)

وقال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)) (هود/١١٧) فأخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين.

وعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ- رضى الله عنه-عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالْبَعَرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَيَقُولُ: رَبِّ،

مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا". (٢)

فهذه الأدلة الشرعية قد أفادت بما لا يدع مجالاً للشك أن الله -تعالى- لا يعذِّب من فعل ذنباً -ولو كان شركاً- إذا لم تبلغه الرسالة والحجة، فكيف يعذّب أولياءه الذين عاشوا طائعين عابدين، لا يعصون الله - تعالى - ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟!!

٢ - أننا مأمورون شرعاً أن نؤمن بجميع ما صح من أسماء الله -تعالى- وصفاته، فكما أننا نؤمن باسم الله الملك، الذى له الملك المطلق، فكذلك علينا أن نؤمن باسم الحكيم، ومعناه أنه سبحانه الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلْقه وأمره، لذا فالقول أن مالك الملك لو عذَّب أهل طاعته، وكرَّم أعداءه لم يكن ظالماً؛


(١) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٣٤١)
(٢) أخرجه أحمد (١٦٣٠١) وصححه الألبانى في الصحيحة" (١٤٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>