للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)) (البقرة /٢١٣)

* وأما حفظ الأبدان:

فمثل هذا وإن كان من حيث الأصل العام داخلاً فى حكم القسم الأول، إلا أنه غير ممتنع الوقوع، فخير الحافظين لأمر الله -عزوجل- وهو النبى -صلى الله عليه وسلم - لم يسلم من مثل ذلك، ففى يوم أحد قد شُج في وجهه وكُسرت رباعيته ودُمِي وهُشمت البيضة على رأسه، ودخلت حلقتان من المغفر الذي يستر به وجهه في وجنته.

وكذلك فقد سُحر صلى الله عليه وسلم على يد رجل يهودى، فاشتكى فأتاه جبريل -عليه السلام- بالمعوذتين.

ولم يكن لذلك السحر أثر على شأن الوحى والرسالة، بل كان يخيَّل إليه أنه قد صنع شيئاً وما صنعه، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، أي أنه أثَّر على جسده فقط، أما الوحي والتبليغ فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

* الحاصل هنا:

أن أصل حفظ الله -تعالى- لأنبيائه وأولياءه إنما هو حفظ لما وقر فى قلوبهم من الإيمان الراسخ و الاعتقاد السابغ، وأما ما يتعلق بما قد يصيبهم من بلاء أو أذى في بدن أو نفس أو مال ونحو هذا... فهذا غير ممتنع الوقوع.

* وتأمل في قوله تعالى (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)) (يوسف/٣٢)

فقد أكد الفعل الأول الذي هو السجن -وهذا من بلاء الدنيا- بنون التوكيد، وقد وقع بالفعل،

أما حال ذكره للصَغار الذى هو الذل والهوان -وهذا مما لا يحصل لأهل الإيمان - فقد جاء الفعل مصحوباً بالنون الخفيفة} وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ {، فلم يقل "وليكوننَّ "، والنون الثقيلة التوكيد بها أشد وأبْلغ؛ لأنَّ زِيادة المبنَى تدلُّ على زيادة المعنى غالباً.

قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول:

ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. (١)


(١) الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص/٤٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>