للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عبد الرحمن بن يزيد: فَكَانَ ثوبان لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، ويَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ. (١)

وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ. (٢)

* الفائدة الرابعة: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ":

وهذه عبادة من أعظم العبادات التي يتوجه بها العبد إلى ربه عزوجل، وقد أمر الله -تعالى- بها عباده، قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)} (البقرة/ ١٥٣) وقال موسى لقومه: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف: ١٢٨]، وقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}

قال ابن رجب: وفي استعانة الله -تعالى - وحده فائدتان:

الأولى: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.

والثانية: أنَّه لا معين له عَلَى مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول. (٣)

* الفائدة الخامسة:

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ "

وهذه معانى عظيمة النفع لقلب العبد؛ فإن العبد إذا ما امتلأ قلبه يقيناً أن كل ما يصيبه إنما هو مما قدَّره الله -تعالى- وقضاه ازداد تعلقاً بربه وتوكلاً عليه.

فصار القلب متوجهاً بكليته شطر خالقه عزوجل، على اليقين الجازم أن الأولياء وغيرهم من المخلوقين لا يملكون لأنفسم نفعاً ولا ضراً؛ فضلاً عن أن يملكوا لغيرهم، كما أنهم لا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وأن غيره تعالى غير قادر


(١) أخرجه أحمد (٢٢٣٦٦)
(٢) متفق عليه.
(٣) وانظر "نور الاقتباس في شرح وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس " (٣/ ١٣٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>