للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢]

وعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ -رضى الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ:

اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " (١)

وقد بوَّب الإمام اليخاري -رحمه الله- فى كتاب القدر من صحيحه:

" بَابٌ: جَفَّ القَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ "، وذكر تحته ما يلى:

قوله تعالى {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ»)

قلت:

وأما ذكر البخاري لهذه الأية تحت هذا التبويب ففيه دلالة أنه رحمه الله يرجَّح أن هذا العلم المقصود فى هذه الأية هو علم الله -تعالى -السابق، فيكون المعنى أن ضلال هذا العبد إنما وقع وفق ما قدَّره الله -عزوجل- فى علمه الأزلى، وأنه لا يستحق إلا ذلك. (٢)

*وأما حديث أبى هريرة-رضى الله عنه- الذى ذكره البخاري هاهنا معلقاً فقد وصله في باب النكاح برقم (٥٠٧٦)، ومناسبته هناك أن أَبِا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي العَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ»

* وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضى الله عنه: " جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ "، هو معنى ما ورد فى حديث الباب: " رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ":

فهذه كناية عن الفراغ من الأمر الذي سبق به القدر، فكل ما يجري في الوجود فقد سبق به علم الله-تعالى - وكتابه، فقد فُرغ من الكتابة التي أمر الله -تعالى - بها القلم حين خلقه، وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.


(١) أخرجه أحمد (٢٢٧٠٥)، وصححه الألبانى في ظلال الجنة (١/ ٤٨)
وقد تم شرح هذا الحديث ضمن أحاديث "الأربعون العقدية"، تحت عنوان " بلوغ العَلَم فى شرح حديث أول ما خلق الله القلم "
(٢) ولهذه الأية توجيهان نص عليهما ابن كثير، فقال رحمه الله: وقوله: {وأضله الله على علم} يحتمل قولين: أحدها: وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك. والآخر: وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه. والثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس. ا. هـ، وأما الطبرى فلم يذكر إلا وجهاً واحداً، فقال رحمه الله:
خذله عن محجة الطريق، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي، ولو جاءته كل آية. ا. هـ
وانظر تفسير القرآن العظيم (٧/ ٢٦٨) وجامع البيان في تأويل القرآن (٢٢/ ٧٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>