للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد الغيبيات لزالت حكمه التكليف والإيمان بالغيب، ومن هذا الباب فقدا اقتضت الحكمة أن يكون عذاب القبر خفياً؛ لأنَّه لو كان أمراً ظاهراً لما كان الإيمان به إيمان بالغيب، والإيمان النافع المنجي إنما هو الإيمان بالغيب.

لذا فقد كان أول ما مدح الله تعالى - به أهل الإيمان فى كتابه أنهم يؤمنون بالغيب، فقد قال تعالى (ألم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)) (البقرة: ١ - ٣)

* وأضف الي ذلك أنه قد اقتضت حكمة الله -تعالى- أن لا يكون عذاب القبر ظاهراً، إذ لو كان ظاهراً لما تدافن الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه". (١)

* وأما قولهم بعدم حدوث عذاب القبر لمن أكله سبع أو حُرق!!

فجوابه:

فذكر العذاب والحاقه بالقبر إنما خرج على الغالب فلا مفهوم له؛ فالمصلوب والمحروق والغريق ومن أكلته السباع لهم من عذاب البرزخ ونعيمه بحسب ما تقتضيه أعمالهم، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما.

وإلا فسيقال من باب الإلزام بعدم بعث من أكلته السباع أو حرق، ومثل هذا مما لم يقل به نفاة القول بعذاب القبر، فكما قيل فى قوله تعالى (قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)) أنه خرج على الغالب، مع إثبات البعث لمن لم يكن له مرقد، كالمحروق ومن أكلته السباع، فكذا يقال بإثبات عذاب القبر ونعيمه لمن لم يُقبر. (٢)


(١) أخرجه مسلم (٧١٤٢)
(٢) وقد ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
" كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ:
إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ " (متفق عليه).

<<  <  ج: ص:  >  >>