للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مال إلى ذلك ابن حجر، فإن خير ما يفسر به الحديث هو الحديث، فقد ورد فى حديث جابر -رضى الله عنه- بيان الحكمة من فعله بغرز الجريد على القبرين، وهى أن حصول التخفيف عن المعذبيَن إنما حصل شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم ما دام الغصنان رطبين.

قال القاضى عياض:

وقوله عليه السلام: " فأحببت بشفاعتى أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين " يفسر مشكل قوله فى الحديث الآخر: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا "، وأن ذلك بدعوته لهما بذلك، .... فإن كانت القصة واحدة -أى في حديثى ابن عباس وجابر- فقد بيَّن أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهما وشفع، وإن كانت قصة أخرى فيكون المعنى فيهما واحداً، والله أعلم. (١)

قال الخطابي:

وأما غرسه - صلى الله عليه وسلم - شق العسيب على القبر وقوله: (ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل مدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنها، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنىً ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه، والله أعلم. (٢)


(١) إكمال المعلم بفوائد مسلم (٢/ ١٢٠) و (٨/ ٥٧٠)
(٢) معالم السنن (١/ ١٩)
قال الشيخ أحمد محمد شاكر معقباً على كلام الخطابي:
وصدق الخطابي وقد ازداد العامة إصراراً على هذا العمل الذي لا أصل له، وغلوا فيه خصوصاً في بلاد مصر تقليداً للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحيةً لهم ومجاملةً للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدةً من بلاد أوروبا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه الجندي المجهول وضعوا عليها الزهور. =
= وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليداً للإفرنج واتباعاً لسنن من قبلهم، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة بل تراهم أنفسهم يصنعون ذلك في قبور موتاهم. ولقد علمت أن أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافاً خيريةً موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع في القبور.
وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين ولا مستند لها من الكتاب والسنة، ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا.
ذكره الشيخ أحمد شاكر فى تعليقه على سنن الترمذي (١/ ١٠٣)، وانظر قواعد وأسس في السنة والبدعة (حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة (ص/ ١٧٣)).

<<  <  ج: ص:  >  >>