للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعظم جرماً؛ لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنى بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية من القبح. (١)

وقد كان العرب يتشددون في حفظ ذمة الجار، ويتمادحون بحفظ امرأة الجار، كما قال عنترة:

* وَأَغُضُّ طَرفِي مَا بَدَت لِي جَارَتِي... حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي مَأوَاهَا *

وقال مسكين الدارمي:

أَعْمَى إذَا مَا جَارَتِي بَرَزَتْ... حَتَّى يُوَارِي جَارَتِي الْخِدْرُ.

*الحاصل:

أن حديث الباب لما نص على مخالفات حرمها الله تعالى، وكانت تخالف المنقول: حيث حرَّمت الشريعة هذه الأمور، وتخالف المعقول: حيث مجيئها على خلاف المعهود، ناسب ذلك أن تكون هى أعظم الذنوب عند الله تعالى.

وقد ذكر ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رَسُول- اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سئل: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟

، فقَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُيل: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ:

«ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُيل: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ»

قَالَ ابن مسعود رضى الله عنه:

وَنَزَلَ قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ

اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (٢)

*عودٌ إلى حديث الباب:

قوله صلى الله عليه وسلم - لما سئل: " أيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ "؟

قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ»:

والمعنى:

أن الذى خلق -سبحانه- هو الأحق أن يُفرد بالعبادة، فلا يُشرك معه غيره من خلقه، ولا يُجعل معه سميٌ؛ فإن الله -تعالى- لا سمي له، ولا كفء له ولا ند


(١) وانظر المنهاج للنووى (١/ ٣٥٧) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٢/ ٢٧)
(٢) متفق عليه. وانظر الاستيعاب في بيان الأسباب (٢/ ١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>