للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي رِوَايَةٍ «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ»

قال القرطبي:

وقد اختلفت الألفاظ الدَّالة على مقدار الحوض، وقد ظن بعض القاصرين: أن ذلك اضطراب، وليس كذلك، وإنما تحدَّث النبي -صلى الله عليه وسلم -بحديث الحوض مرات عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة إشعارًا بأن ذلك تقدير، لا تحقيق، وكلها تفيد أنه كبير متسع، متباعد الجوانب والزوايا، ولعل سبب ذكره للجهات المختلفة في تقدير الحوض: أن ذلك إنما كان بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات، فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها. (١)

فرع: أين يكون الحوض من مواقف يوم القيامة؟

ذهب فريق من العلماء إلى أن الحوض بعد الصراط:

وذلك لما روى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ-رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا " (٢)

فدل ذلك أن الشرب من الحوض يقع بعد الحساب، والنجاة من النار؛ لأن انتفاء الظمأ الدائم صفة من نجا من النار، ومثل هذا لا يكون إلا لمن اجتاز الصراط.

* يؤيده:

قول النبي -صلى الله عليه وسلم - وقد سُئِلَ عَنْ شَرَابِ الحوض فَقَالَ:

«أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ». (٣)

فدل ذلك على أن مادة الحوض من الجنة، فناسب ذلك أن يكون الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها.

وهذا ما رجحه البخاري


(١) انظر المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٩٢) وفيض القدير (٢/ ٥٧٩)
(٢) متفق عليه.
(٣) أخرجه مسلم (٢٣٠١)
قال الأصبهاني:
وقوله: يغت فيه ميزابان أي يسيل الماء فيه بكثرة، يقال: غت على وزن غل يغل بالغين المعجمة والتاء المنقوطة بنقطتين، وقيل: الغت الدفق. الحجة في بيان المحجة (١/ ٤٩٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>