للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرَدُّ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ وَبِسَبَبِهِ يُرَدُّ دُعَاؤُنَا عَلَيْنَا.

(اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ حَرَامٌ) كَبِيرَةٌ (وَوَصْلُهَا وَاجِبٌ وَمَعْنَاهُ) أَيْ الْوَصْلُ (أَنْ لَا يَنْسَاهَا) أَيْ الرَّحِمَ (وَيَتَفَقَّدَهَا بِالزِّيَارَةِ) وَبِالْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ (أَوْ الْإِهْدَاءِ) لَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ الْإِعَانَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْقَوْلِ وَأَقَلُّهُ) أَدْنَاهُ (التَّسْلِيمُ) بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ (أَوْ إرْسَالُ السَّلَامِ) إنْ بَعِيدًا (أَوْ الْمَكْتُوبُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ) وَقْتًا مُعَيَّنًا بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الْمَأْلُوفُ لَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَفِي الدُّرَرِ صِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ، وَلَوْ بِسَلَامٍ وَهَدِيَّةٍ وَتَحِيَّةٍ، وَهِيَ مُعَاوَنَةُ الْأَقَارِبِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ وَالْمُجَالَسَةُ لَهُمْ وَالْمُكَالَمَةُ مَعَهُمْ وَيَزُورُ ذَا الْأَرْحَامِ غِبًّا فَإِنَّ ذَلِكَ يُزِيدُ الْفَتَى حُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ حَاجَةَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ وَيَنْزِلُ الْعَمُّ وَالْأَخُ وَالْخَالُ مَنْزِلَةَ الْوَالِدِ وَتَنْزِلُ الْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ فِي التَّوْقِيرِ وَالطَّاعَةِ، وَفِي الْخِدْمَةِ كَمَا فِي الشِّرْعَةِ (وَيَجِبُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) ، وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ اخْتَلَفُوا فِي الرَّحِمِ الَّتِي يَجِبُ صِلَتُهَا قَالَ قَوْمٌ هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ قَرِيبٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لِلصِّلَةِ دَرَجَاتٌ بِاعْتِبَارِ يُسْرِ الْوَاصِلِ أَوْ عُسْرِهِ وَأَدْنَاهُ تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ عَنْ قَرِيبِهِ.

(وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الرَّحِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ (وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ جَوَازُ النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ التَّقَاطُعِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ فُرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى إذْ عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ النِّكَاحِ وَالْجَمْعِ لُزُومُ قَطْعِ الرَّحِمِ فِي الْجَوَازِ) ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ إذْ الْمُعَادَاةُ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ الضَّرَائِرِ لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ فَقَطْ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ صِلَةِ الْأَبَاعِدِ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ شَرْعِيَّةُ الْمَعَاقِلِ وَقِيلَ عَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ - {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩]- إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ فِي عُمْرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمْرِهِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَقْطَعُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَحُطُّ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي الشِّرْعَةِ فِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تُزِيدُ الْعُمْرَ» ، وَفِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِينَ لِابْنِ الْكَمَالِ «الصَّدَقَةُ وَالصِّلَةُ تُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَتَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» .

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ بِأَنَّ الْآجَالَ وَاحِدَةٌ وَمُقَدَّرَةٌ لَا تُسْتَأْخَرُ فَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ بِثُبُوتِ الْأَجَلِ الْمُعَلَّقِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا أُظْهِرَ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَكُتِبَ فِي اللَّوْحِ لَا بِمَا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى، وَلِذَا أُوِّلَ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ وَبَقَاءِ ذِكْرِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ كَالْحَيَاةِ وَبِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَوْ بُسِطَ فِي أَجَلِ أَحَدٍ بِعَمَلٍ لَبُسِطَ بِالصِّلَةِ وَبِأَنَّهُ يُثَابُ فِي الْعُمْرِ الْقَلِيلِ ثَوَابَ عَمَلِ الْعُمْرِ الْكَثِيرِ، لَكِنْ أُيِّدَ الْأَوَّلُ بِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ آنِفًا لَعَلَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ مِنْ غَوَامِضِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَغَايَتُهُ مُتَشَابِهٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا الْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ كَغَايَةِ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ، وَقَدْ فَصَّلْت هَذَا الْمَبْحَثَ فِي رِسَالَةٍ فَرْدَةٍ عَلَى حَدِيثِ لَا يُزِيدُ الْعُمْرَ إلَّا الْبِرُّ.

(وَمِنْهَا إيذَاءُ الزَّوْجَةِ) قَوْلًا أَوْ فِعْلًا تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا وَكِنَايَةً (زَوْجَهَا وَمُخَالَفَتُهَا إيَّاهُ) فِيمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ (وَعَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِهِ " ت " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ» سِوَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَأَدَاءً لِحَقِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>