(وَمِنْهَا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَقْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْوَاجِبِ عَلَى قَوْلٍ، وَفِي الدُّرَرِ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضٌ لِلرِّجَالِ وَجَزَمَ فِي الْكَنْزِ بِكَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إلَّا بِعُذْرٍ مِثْلِ الظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ وَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ وَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَالْخَوْفِ مِنْ الدَّائِنِ وَمِنْ السُّلْطَانِ وَخَوْفِ ذَهَابِ الرُّفَقَاءِ وَخِدْمَةِ الْمَرِيضِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَنَفْسُهُ تَتَشَوَّقُ إلَيْهِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَتُوبُوا، وَعَنْ الْقَاضِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد إنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِوُجُوبِهَا انْتَهَى (وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِفَرْضِيَّةِ الْجَمَاعَةِ) عَيْنًا (مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣]- أَمَرَ بِالرُّكُوعِ مَعَ الْمُقَارَنَةِ لِلرَّاكِعَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِدُونِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ لَوْ تَرَكَ أَهْلُ قَرْيَةٍ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ بَلْ صَلَّوْا فُرَادَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ أَصْلًا، وَإِنْ فَعَلَهَا الْبَعْضُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْبَاقِينَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً إذَا تَرَكَ أَهْلُ قَرْيَةٍ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ صَلَّوْا فُرَادَى دَعَاهُمْ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ وَكَذَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي السِّوَاكِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَأَيْضًا عَنْ الْغَايَةِ أَنَّ عَامَّةَ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ، وَعَنْ التُّحْفَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ، فَالْمُرَادُ مِنْ السُّنَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْوُجُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ، وَعَنْ الْبَدَائِعِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ، وَأَيْضًا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَشَرِيعَةٌ مَاضِيَةٌ وَلَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا لِأَحَدٍ إلَّا لِعُذْرٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ يُؤْمَرُونَ بِهَا، فَإِنْ ائْتَمَرُوا وَإِلَّا فَتَحِلُّ مُقَاتَلَتُهُمْ، ثُمَّ قِيلَ إنَّ الْمُقَاتَلَةَ لَا تَحِلُّ عَلَى تَرْكِ سُنَّةٍ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا، وَفِي قَاضِي خَانْ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ ذَلِكَ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا بِتَأْوِيلٍ، وَعَنْ الِاخْتِيَارِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعَنْ الْخَصَّافِ مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ، وَفِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَأَهْلُ الْوُجُوبِ احْتَجُّوا بِظَاهِرِهِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ حَمَلُوهُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ وَأُورِدَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَذْفِ صِفَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَأُجِيبَ بِإِرَادَةِ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ لَا كَمَالَ صَلَاةٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ جَوَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute