- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ» إلَى أَنْ قَالَ، «ثُمَّ يُكَبِّرَ لِلصَّلَاةِ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلَهُ وَتَسْتَرْخِيَ» الْحَدِيثَ انْتَهَى، ثُمَّ عَدَّ الْمُصَنِّفُ آفَةَ تَرْكِ التَّعْدِيلِ إلَى أَنْ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ مِنْهَا الْمَوْتُ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهَا كَوْنُهُ سَبَبًا لِفَسَادِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ.
(وَ) تَرْكُ (تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ) فَإِنَّ تَرْكَهَا مُوجِبٌ لِإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ وَالْمُخَالَفَةِ فِي قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي الظَّوَاهِرِ وَمُخَالَفَتُهَا سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ وَقِيلَ سَبَبٌ لِلْفِتَنِ وَلِذَا صَارَتْ التَّسْوِيَةُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الدَّالِّ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ تَأْكِيدًا أَوْ تَحْرِيضًا عَلَى فِعْلِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ، وَفِي حَدِيثِ «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَوَاَللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ» أَيْ لَيُوقِعَنَّ اللَّهُ الْمُخَالَفَةَ «بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» ، وَفِي الْمُعَدَّلِ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» أَيْ أَبْعَدَهُ مِنْ ثَوَابِهِ وَمَزِيدِ رَحْمَتِهِ وَرَفْعِ دَرَجَتِهِ إذْ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَيُسَنُّ انْضِمَامُ الْمُصَلِّينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ وَلَا خَلَلٌ كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَعْدِيلِ الصَّفِّ وَسَدِّ خَلَلِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَجْمَعُهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ» سَوُّوهَا فِي الصَّلَاةِ «وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ» بِحَيْثُ يُسَامِتُ مَنْكِبُ بَعْضٍ لِمَنْكِبِ الْآخَرِ، وَالْأَعْنَاقُ وَالْأَقْدَامُ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ.
(تَنْبِيهٌ)
مَشْرُوعِيَّةُ صُفُوفِ الصَّلَاةِ لِيَتَذَكَّرَ الْإِنْسَانُ بِهَا وُقُوفَهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ الْمَهُولِ، وَالشُّفَعَاءُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِمَنْزِلَةِ الْأَئِمَّةِ فِي الصَّلَاةِ يَتَقَدَّمُونَ الصُّفُوفَ وَصُفُوفُهُمْ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرْنَا الْحَقُّ أَنْ نَصُفَّ فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ، وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ» لِمَا فِي التَّسْوِيَةِ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الشَّيَاطِينِ وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وُفِيَهُ أَيْضًا «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا تَضَامُّوا وَتَلَاصَقُوا فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَى الشَّيَاطِينَ بَيْنَ صُفُوفِكُمْ يَتَخَلَّلُونَهَا كَأَنَّهَا غَنَمٌ عُفْرٌ» أَيْ بِيضٌ. وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفُّ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَنْ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ «لَتُسَوُّنَّ الصُّفُوفَ أَوْ لَتُطْمَسَنَّ الْوُجُوهُ أَوْ لَتُغْمَضَنَّ أَبْصَارُهُمْ» ، وَفِي الْجَامِعِ «أَحْسِنُوا إقَامَةَ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ» أَيْ أَتِمُّوهَا وَسُدُّوا الْخَلَلَ فِيهَا وَسَوُّوهَا عَلَى اعْتِدَالِ الْقَائِمَيْنِ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَالْأَمْرُ لِلنَّدَبِ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَرَى مِنْهُ خَلَلًا فِي تَسْوِيَةِ الصَّفِّ وَيُسَنُّ إذَا كَبُرَ الْمَسْجِدُ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلًا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَيَطُوفَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُنَادِيَ فِيهِمْ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالْمُرَادُ بِتَسْوِيَتِهَا إتْمَامُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَسَدُّ الْفُرَجِ وَتَحَرِّي الْقَائِمَيْنِ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ صَدْرُ وَاحِدٍ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مَنْ هُوَ بِجَنْبِهِ، وَعَنْ صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي نَاحِيَةَ الصَّفِّ فَيُسَوِّي صُدُورَ الْقَوْمِ وَمَنَاكِبَهُمْ وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ» .
وَعَنْ الطَّبَرَانِيِّ «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ تَسْتَوِ قُلُوبُكُمْ وَتَمَاسُّوا تَرَاحَمُوا» وَتَمَامُهُ فِي الْمُعَدَّلِ وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا ذُكِرَ أَيْضًا لُزُومَ لُزُوقِ الْمَنَاكِبِ وَلُصُوقِهَا.
(وَ) تَرْكُ (مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ) فِي الْأَفْعَالِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ عَلَيْهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التتارخانية لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَوْدُهُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا عَنْ الْكَافِي أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْآثَارُ فَكَثِيرَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُعَدَّلِ (وَقَدْ صَنَّفْنَا فِي) بَيَانِ (هَذِهِ الثَّلَاثَةِ) رِسَالَةَ (مُعَدَّلِ الصَّلَاةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَا عُصَارَةَ مَا فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute