للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(د عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيْهِ الْأَذَى» أَيْ النَّجَسَ «فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» مِنْ قَبِيلِ إقَامَةِ دَلِيلِ التَّالِي مَوْقِعَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلْيَمْسَحْهُ بِالتُّرَابِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ آنِفًا؛ إذْ بَعْضُ الْحَدِيثِ كَالْآيَةِ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِ إنْ عَيْنُهُ مَرْئِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ إذَا أَصَابَتْ النَّعْلَ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا إذَا كَانَتْ يَابِسَةً بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ رَطْبَةً فَكَذَا فِي الْمُخْتَارِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِلَّا مِثْلَ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَطَهَارَتُهَا بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ الْعَصْرُ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنْ إذَا نَثَرَ عَلَيْهَا التُّرَابَ قَبْلَ الْجَفَافِ حَتَّى صَارَتْ مُتَجَسِّدَةً يَكْفِيهَا زَوَالُ الْعَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هَذَا فِي الْخُفِّ، وَالثَّوْبُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا إذَا نَتَرَ بَعْدَ الِابْتِلَالِ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمُحَشِّي.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَطْهُرُ الْخُفُّ مِنْ غَيْرِ الْمَنِيِّ الْجَافِّ إلَّا بِالْغَسْلِ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ هَذَا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالنَّصِّ أَيْضًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ فُقَهَاءَنَا وَقَفُوا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ خَفَاءٌ وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغَسْلِ بَلْ اكْتَفَى بِالتُّرَابِ فَمَنْ تَكَلَّفَ بِالْغَسْلِ فَقَدْ ابْتَدَعَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مُضَايَقَةِ الْمَاءِ أَوْ مُضَايَقَةِ الْوَقْتِ أَقُولُ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ هُوَ بَيَانُ الرُّخْصَةِ وَأَصْلُ الْجَوَازِ، وَلَا يَمْنَعُ الْغَسْلَ بَلْ أَوْ أَوْلَوِيَّتُهُ وَأَحْوَطِيَّتُهُ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخْتَارٌ فِي التَّطْهِيرِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُطَهِّرَاتِ (خ م عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ» فِي كَوْنِ الْحَدِيثِ مِنْ الرُّخَصِ الْمَطْلُوبَةِ خَفَاءٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ مَنْ يَدَّعِي التَّوَرُّعَ لَا يُصَلِّي بِالنَّعْلِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ النَّعْلَ رُبَّمَا يَمُرُّ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَالْعَذِرَةِ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَشَرُّبِ النَّجَاسَةِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى مَعَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَالصَّفِيُّ يُحْتَرَز عَنْهُ (د عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَالِفُوا الْيَهُودَ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «وَالنَّصَارَى» أَيْ وَصَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ وَخِفَافِكُمْ «فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي خِفَافِهِمْ» فَصَلُّوا أَنْتُمْ فِيهَا إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً غَيْرَ مُتَنَجِّسَةٍ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ مَنْ تَنَجَّسَ نَعْلُهُ إذَا دَلَكَهُ عَلَى الْأَرْضِ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ «وَلَا نِعَالِهِمْ» وَكَانَ مِنْ شَرْعِ مُوسَى نَزْعُ النِّعَالِ فِي الصَّلَاةِ - {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢]- وَكَانَ الْمُوجِبُ لِلنَّزْعِ أَنَّهُمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَالْتَزَمَهُ الْيَهُودُ فَلِهَذَا أُمِرَ بِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فِيهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَحِكْمَةُ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَخَشْيَةُ أَنْ يَتَأَذَّى أَحَدٌ بِنَعْلَيْهِ إذَا خَلَعَهُمَا مَعَ مَا فِي لُبْسِهِمَا مِنْ حِفْظِهِمَا مِنْ سَارِقٍ أَوْ دَابَّةٍ تَنَجُّسِ نَعْلِهِ قَالَ: وَقَدْ نَزَعْت نَعْلِي مَرَّةً فَأَخَذَهُ كَلْبٌ فَعَبِثَ بِهِ وَنَجَّسَهُ كُلَّهُ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ ثُمَّ هِيَ مِنْ الرُّخَصِ كَمَا قَالَ الْقُشَيْرِيُّ لَا مِنْ الْمَنْدُوبِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَيَكُونُ نَدْبُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَوَرَدَ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ مِنْ الزِّينَةِ الْمَأْمُورِ بِأَخْذِهَا فِي الْآيَةِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

قَالَ الْمُحَشِّي: مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ أَمْرٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ لِكَوْنِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمْحَةً سَهْلَةً وَلِذَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَحِلُّ الرَّفَثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>