للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْلَةَ الصِّيَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَقُولُ يَشْكُلُ بِقَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ هِيَ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ثَبَتَ كَوْنُهُ شَرِيعَةً لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ شَرِيعَةٌ أَبَدًا مَا لَمْ يَظْهَرْ النَّسْخُ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَاسِخٌ يَرُدُّهُ أَنَّ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ لَا يَنْسَخُ الشَّرِيعَةَ الثَّابِتَةَ نَعَمْ إنَّ مِثْلَ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِمَقْطُوعٍ بِكَوْنِهِ شَرِيعَةً لِمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ تَحْرِيفَاتِهِمْ.

(خ م «عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ أُمَّهُ» أَيْ أُمَّ أَنَسٍ أَعْنِي «مُلَيْكَةَ» بِالتَّصْغِيرِ «دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ» أَيْ صَنَعَتْ أُمُّهُ مُلَيْكَةُ ذَلِكَ الطَّعَامَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ كَانَ مِنْ تَوَاضُعِهِ يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَلَوْ إلَى ذِرَاعٍ «فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَأُصَلِّيَ بِكُمْ قَالَ أَنَسٌ» - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ» أَيْ فُرِشَ تَحْتَ الْأَقْدَامِ «فَنَضَحْته بِمَاءٍ» أَيْ أَفَضْت عَلَيْهِ مَاءً لِيَذْهَبَ بَعْضُ وَسَخِهِ «فَقَامَ عَلَيْهِ» مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ عَنْ طَهَارَتِهِ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ» قِيلَ اسْمُهُ ضُمَيْرَةُ «وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ» أَيْ مُلَيْكَةَ إنَّمَا أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَعَبَّرَ بِالْوَصْفِ دُونَ الْعَلَمِ إشَارَةً إلَى أَدَبِ تَرْتِيبِ الصَّفِّ فَافْهَمْ «مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ.

قِيلَ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا لَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَاثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يُكْرَهُ وَإِذَا اقْتَدَى ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَإِذَا اقْتَدَى أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا انْتَهَى لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ اضْطِرَابٍ إذْ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إطْلَاقُ الْجَوَازِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَةُ إلَى آخِرِهِ جَوَازُ مُطْلَقِ الْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ، وَلَوْ أَرْبَعَةً مَثَلًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّدَاعِي، وَأَيْضًا كَوْنُ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ مِنْ الْحَدِيثِ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ بِجَمَاعَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي مَكْرُوهٌ مَا عَدَا التَّرَاوِيحَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَالْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْقَدْرِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مَوْضُوعَةٌ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ، وَالْحِيلَةُ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا بِنَحْوِ النَّذْرِ بِالْجَمَاعَةِ أَيْضًا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْبَزَّازِيِّ.

(حَدّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَهُ الْيَهُودِيُّ» مِنْ الضِّيَافَةِ فَإِنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْيَهُودِيِّ مِنْ كَمَالِ حِسَانِ خُلُقِهِ «بِخُبْزٍ وَإِهَالَةٍ» أَيْ دَسَمِ لَحْمٍ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ فَوَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِ الْيَهُودِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ طَهَارَتِهِ، وَأَنَّ الْإِهَالَةَ مِنْ دَسَمٍ أَيْ حَيَوَانٍ وَهَلْ عَجَنَ الْخُبْزَ بِالْمَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْخَمْرِ (وَثَبَتَ) فِي نَحْوِ الصَّحِيحَيْنِ (أَكْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيْتِ الْيَهُودِيَّةِ) بِلَا سُؤَالٍ عَنْ طَهَارَةِ وَذَكَاةِ الشَّاةِ فَدَلَّ عَلَى السَّعَةِ وَتَرْكِ التَّدْقِيقِ (الَّتِي سَمَّتْهُ) عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ يَهُودِيَّةَ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً مَشْوِيَّةً ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ رَهْطٌ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِيَّةِ فَدَعَاهَا فَقَالَ: سَمَمْت هَذِهِ الشَّاةَ فَقَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَك قَالَ أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ الذِّرَاعُ الَّتِي فِي يَدِي قَالَتْ نَعَمْ قُلْت: إنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ، وَإِلَّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَعَفَا عَنْهَا، وَلَمْ يُعَاقِبْهَا أَوَّلًا فَلَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ لُقْمَةٍ تَنَاوَلَهَا مِنْهَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا فَقُتِلَتْ مَكَانَهُ» وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَسْطُورُ قِيلَ: لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجَابِرٌ مِنْ الْمُخَالَفَةِ؛ إذْ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ فِي أَكْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا ذُكِرَ عَنْ جَابِرٍ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ أَكْلَهُ صَرِيحٌ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَلَيْت شِعْرِي وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِالسُّمِّ لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ النَّسْخِ أَوْ الْخَاصَّةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>