(وَ) ثَبَتَ أَيْضًا «تَوَضُّؤُهُ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (مِنْ مَزَادَةٍ» هِيَ كَالْإِدَاوَةِ إنَاءُ الْمَاءِ «لِمُشْرِكَةٍ» فِي بَيْتِهَا أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ مَعَ احْتِمَالِ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ بِلَا سُؤَالٍ عَنْ طَهَارَتِهَا.
(خ م عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) فِيهِ تَغْلِيبُ الشُّرَافَةِ عَلَى الْعَدَدِ؛ إذْ الصَّحَابِيُّ هُوَ الْجَدُّ، وَالْبَاقُونَ تَابِعُونَ فَحَقُّهُمْ الدُّعَاءُ بِالرَّحْمَةِ (أَنَّهُ قَالَ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا ثَلَاثًا» حِينَ سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ الْوُضُوءِ.
«وَقَالَ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ» أَيْ الْأَدَبَ (بِتَرْكِ السُّنَّةِ) فَإِنَّ الِازْدِيَادَ اسْتِنْقَاصٌ لِمَا اسْتَكْمَلَهُ الشَّارِعُ وَأَمَّا مُدَّعِي التَّوَرُّعِ فَيَزِيدُ اعْتِقَادًا لِلتَّوَرُّعِ فِيهِ قِيلَ الْغَسْلَةُ الْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إكْمَالُهُ وَقِيلَ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَقَعُ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالثَّمَرَةُ فِي كَثْرَةِ السُّجُودِ أَنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ السُّنَّةِ قِيلَ: الْمَفْهُومُ مِنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُجْزِئَ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَيَجُوزُ بِالْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ ثُمَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوَاحِدَةِ قِيلَ: يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ.
(خ م عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا قَالَ فِي الْفَيْضِ وَالصَّاعُ مِكْيَالٌ يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِرِطْلِ بَغْدَادَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ وَثَمَانِيَةً عِنْد الْعِرَاقِيِّينَ وَرُبَّمَا زَادَ فِي غُسْلِهِ عَلَى الصَّاعِ، وَرُبَّمَا نَقَصَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَرِطْلُ بَغْدَادَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَالنَّوَوِيِّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ ثُمَّ زَادُوا فِيهِ مِثْقَالًا لِإِرَادَةِ كَسْرِ الْجَبْرِ فَصَارَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ تَقْدِيرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ «وَ» كَانَ «يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» رِطْلٌ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَرُبَّمَا يَتَوَضَّأُ بِثُلُثَيْهِ تَارَةً وَبِأَزْيَدَ مِنْهُ أُخْرَى نَحْوَ أَرْبَعِ أَوَاقٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُجْزِئَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَيُجْزِئُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَيْثُ وُجِدَ جَرْيُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ.
وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْقُصَ وَلَا يَزِيدَ عَلَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ لِمَنْ بَدَنُهُ كَبَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ وَوُقُوعُ غَيْرِهِ لَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَبَدَانِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَنْبَلَ وَأَعْظَمَ مِنْ أَبْدَانِ النَّاسِ الْآنَ؛ لِأَنَّ خَلْقَ النَّاسِ لَمْ يَزَلْ فِي نَقْصٍ إلَى الْيَوْمِ، وَعَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِي إمْكَانِ جَرْي الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَيُقِرُّ بِهِ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الْمُغْتَسِلِ وَعَلَيْهِ الْقَصْدُ وَهُوَ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَهُوَ مَحَلُّ الِاسْتِشْهَادِ (م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا» مِنْ الرِّيحِ «فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ» أَيْ الْأَمْرُ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ «أَخَرَجَ» مِنْهُ شَيْءٌ «أَمْ لَا» وَالْجَوَابُ «فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ» يَعْنِي لَا يَنْصَرِفُ مِنْ مُصَلَّاهُ إنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ هُوَ خَارِجُ خَارِجٌ عَنْ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا مُبَالَغَةً.
«حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ وِجْدَانِ الرِّيحِ وَسَمَاعِ الصَّوْتِ حَقِيقَتَهُمَا بَلْ هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْحَدَثِ قِيلَ: الْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّ الرِّيحَ مِنْ الْقُبُلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَدُفِعَ بِعَدَمِ الْعَادَةِ مِنْ الْقُبُلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute