مُرَادَاتَ فِرْعَوْنَ لَمَا أَصَرَّ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَاطِلَةِ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَ الظَّبْيِ كَذَا فِي حَلِّ الرُّمُوزِ.
(وَقَالَ) سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ (أَبُو يَزِيدَ الْبِسْطَامِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) هُوَ طَيْفُورُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ كَانَ جَدُّهُ مَجُوسِيًّا أَسْلَمَ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ آدَم وَطَيْفُورٌ وَعَلِيٌّ كُلُّهُمْ كَانُوا زُهَّادًا مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ قُمْ بِنَا حَتَّى نَنْظُرَ) نَرَى إذَا كَانَ صَالِحًا نَزُورُهُ وَهُوَ أَمْرٌ اسْتِحْبَابِيٌّ وَنَسْتَفِيدُ وَإِلَّا فَتَنْقَطِعُ شُبْهَتُهُ فِي صِدْقِ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِهِ (إلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ شَهَرَ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الْفَاعِلِ (نَفْسَهُ بِالْوِلَايَةِ) فِي هَذَا التَّعْبِيرِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ اعْتِقَادِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ إذْ تَشْهِيرُ النَّفْسِ بِالِاخْتِيَارِ مَذْمُومٌ فَيَنْدَفِعُ بِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِقَادٌ فَكَيْفَ يَذْهَبُ إلَى زِيَارَتِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِقَطْعِ الشُّبْهَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ سُوءَ ظَنٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الظَّنُّ مَا يَكُونُ بِالرُّجْحَانِ وَالشُّبْهَةُ فِي التَّسَاوِي بَلْ فِي الْمَرْجُوحِ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا تَجَسُّسُ الْعَيْبِ وَاسْتِكْشَافُهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ لَيْسَ تَعْيِيرًا وَلَا تَذْلِيلًا وَلَا غِيبَةً أَيْضًا كَذَلِكَ.
(وَكَانَ رَجُلًا مَقْصُودًا) يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالزِّيَارَةِ وَاسْتِجْلَابِ الدَّعْوَةِ وَأَخْذِ الْهِمَّةِ (مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ) بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا وَتْرِكِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ (فَمَضَيْنَا إلَيْهِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ) هَذَا الْقَيْدُ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ (وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ (رَمَى بُزَاقَهُ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ) أَيْ جِهَتَهَا وَأَصْلُهُ وِجَاهَ قُلِبَتْ الْوَاوُ تَاءً جَوَازًا وَوِجَاهُ الشَّيْءِ جِهَتُهُ (فَانْصَرَفَ أَبُو يَزِيدَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْبُزَاقَ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَجَانِبِ الْيَمِينِ بَلْ نَفْسُ الْمَسْجِدِ أَيْضًا، فَإِنْ قِيلَ السَّلَامُ وَاجِبٌ وَذَلِكَ تَرْكُ أَدَبٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَهَذَا غَيْرُ مَأْمُونٍ إلَخْ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِتَرْكِ الْأَدَبِ قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُرَادِ مِنْ كَوْنِ لَفْظِ الْأَدَبِ هُنَا مَا ظَنَنْته وَكَوْنُ رَمْيِ الْبُزَاقِ إلَيْهَا بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ يَعْنِي وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَدَبًا عِنْدَ الْعَوَامّ يَكُونُ مُحَرَّمًا عِنْدَ الْخَوَاصِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْلِيمِ لِمَنْ مَعَهُ وَلِمَنْ سَمِعَهُ لِحِفْظِ احْتِرَامِ حُدُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقَالَ هَذَا رَجُلٌ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أَيْ لَمْ يَأْمَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى (عَلَى أَدَبٍ مِنْ آدَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ آدَابَ الشَّرِيعَةِ.
(فَكَيْفَ يَكُونُ مَأْمُونًا) مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى مَا يَدَّعِيه) مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْكَرَامَةِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الرُّخَصُ كَالْمُحَرَّمِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ فَيَجْتَنِبُونَ عَمَّا قِيلَ فِيهِ لَا بَأْسَ كَمَا عَنْ الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ وَيَلْتَزِمُونَ مَا إتْيَانُهُ أَوْلَى وَأَفْضَلُ كَالْوَاجِبِ الْقَطْعِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ، فَإِنْ قِيلَ الْوِلَايَةُ لَا تُوجِبُ الْعِصْمَةَ وَأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ بَلْ الْوَاجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاحِ كَالسَّهْوِ وَالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ كَالْوَاجِبِ وَلَوْ سَلِمَ كُلُّ ذَلِكَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَبِّهَ ذَلِكَ الرَّجُلَ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ الْأَدَبِ قُلْت يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي جَنْبِهِ شَيْءٌ آخَرُ كَحُبِّ الرِّيَاسَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute